وما أجمل ما ذكره بعض المعاصرين -وقد توفي منذُ نحو أربعين سنة- في أرجوزة له لطيفة اسمها: أرجوزة المهدي، أو أرجوزة الهدى، فذكر الكلام المنقول عن علماء المسلمين الأربعة في تبرئهم من مخالفة النبي عليه الصلاة والسلام، فقال رحمه الله: وقول أعلام الهدى لا يعمل بقولنا بدون نص يقبل فيه دليل الأخذ بالحديث وذاك في القديم والحديث قال أبو حنيفة الإمام لا ينبغي لمن له إسلام أخذاً بأقوالي حتى تعرضا على الكتاب والحديث المرتضى ومالك إمام دار الهجرة قال وقد أشار نحو الحجرة كل كلام منه ذو قبول ومنه مردود سوى الرسول والشافعي قال إن رأيتم قولي مخالفاً لما رويتم من الحديث فاضربوا الجدارا بقولي المخالف الأخبارا وأحمد قال لهم لا تكتبوا ما قلته بل أصل ذاك فاطلبوا فانظر مقالات الهداة الأربعة واعمل بها فإن فيها منفعة لقمعها لكل ذي تعصب والمنصفون يكتفون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم! بل قال في هذه الأرجوزة -برغم أنه حنفي المذهب-: واعجب لما قالوا من التعصب أن المسيح حنفي المذهب يعني: وصلت المسألة لدرجة الاعتقاد أن المسيح عليه السلام حين ينزل سوف يحكم بالمذهب الحنفي، بناءً على خرافة أن المسيح عندما ينزل لا يجد شيئاً من الإسلام إلا فقه أبي حنيفة رحمه الله، وهذا موجود في صندوق في نهر جيحون، ثم يذهب ليبحث عن هذا الصندوق حتى يتسنى له أن يحكم بالإسلام.
كم من سنوات التخلف التي عاناها المسلمون بسبب عدم وقوفهم عند النص الشرعي، لو أننا تبنينا هذا السؤال الذي سأله زر بن حبيش رحمه الله لـ صفوان بن عسال المرادي، لقل الخلل، لو أنا نقول: ماذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسألة الفلانية؟ بدلاً من أن نقول: ما فتوى العالم الفلاني في المسألة الفلانية؟ لقل الكلام، ولسقطت كثير من الأقوال التي لا دليل عليها من الكتاب والسنة.
لقد أحسن زر بن حبيش جد الإحسان بذاك بقوله لما قال في سؤاله:(وكنت امرأً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهل عندك عنه شيء؟) أي: في المسح على الخفين، فقال له:(أمرنا صلى الله عليه وآله وسلم إذا كنا سفْراً -أو مسافرين- ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، لكن من غائطٍ أو بولٍ أو نوم) أي: لكن لا ننزع الخف من غائط أو بولٍ أو نوم.