إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة الكرام! إن وقود الانتماء هو الحب، وللمحبة علامات تقطع بها وجه كل دعي للمحبة وهو عار عنها، ونحن اليوم مع علامات للمحبة، وإنما آثرت ضرب المثل بأقوال المحبين في الدنيا لأقيم الحجة على الخلق بأمرٍ غير منكورٍ عندهم يسلمون به.
إن المحب لا إرادة له مع حبيبه، ولو صارت له إرادة مع حبيبه فإن هذا قدحٌ في دعوى محبته، وكل الناس لا ينكرون هذا المعنى، فإذا عدّلناه إلى أجلّ محبوبٍ وهو الله عز وجل رأيت دعوى عريضة، ورأيت الكاذبين يتلو بعضهم بعضاً في أمر لا ينكرونه بينهم.
إن من علامات المحبة: الغيرة للمحبوب.
وعليه فلا أتصور حباً بلا غيرة، فإذا رحلت الغيرة رحل الحب تبعاً لها، والغيرة هي أنفةٌ أن يشاركني في محبوبي أحد، وهي نارٌ وتوهج يخرج من القلب حال ذكر المحبوب، وهي أنانية التفرد بالمحبوب، هذا هو أصل الغيرة: أن تغار له وعليه.
وكما ورد في الحديث الصحيح: أن هلال بن أمية الواقفي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وقال: يا رسول الله! وجدتُ رجلاً مع امرأتي -ولم يكن نزل حد الملاعنة بين الرجل وامرأته، وكان الرجل إذا رمى امرأته أو غيرها بالزنا فرض عليه أن يأتي بأربعة شهداء وإلا جُلد- فجاء هلال بن أمية الواقفي، وقال:(يا رسول الله! وجدت رجلاً مع امرأتي فقال: يا هلال! أربعة شهداء أو حدٌ في ظهرك، فحينئذٍ انتفض سعد بن عبادة -سيد الخزرج- وقال: يا رسول الله! أدع لكعاً يتحسها وأبحث عن أربعة شهداء؟! والله ليس له إلا السيف غير مصفح! فقال النبي صلى الله عليه وسلم للخزرج: انظروا ما يقول سيدكم -يستنكر عليه؛ لأنه يعارض آية في كتاب الله عز وجل- فقالوا: يا رسول الله! اعذره، فوالله ما تزوج امرأةً قط إلا بكراً، وما طلق امرأةً فجرأ أحدنا أن يتزوجها بعده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من غيرة سعد؟! والله إني لأغير من سعد، والله أغير مني؛ لذلك حرم الفواحش).