[الإسلام يحث على استثمار وزراعة الأرض]
بقي الثلث الأخير: قال: (وأرد فيها ثلثه)، أي: في الأرض.
وهذا دليل على أن الإسلام يحث على استثمار الأرض، ويحث على استيعاب الطاقات والاستفادة من الجهود المبعثرة، بخلاف بعض الناس الذي يظنون أن الإسلام دين الكسل والتواكل، وهذه فرية بلا مرية، لكن -بكل أسف! - وجد من بيننا من يلوك هذا الكلام، وهم من العلمانيين ذوي الوجوه القبيحة الذين يحاربون الله ورسوله.
والشيء العجيب: أنهم يحتجون علينا بالأحاديث، وهم لا يحتجون بها، وإنما يرددونها حتى يزعموا أنها مكذوبة، برغم أنها في صحيح البخاري، فماذا يريد هؤلاء؟ يريدون أن يقولوا: إن صحيح البخاري فيه أحاديث موضوعة، لكي يزيل هيبة هذا الكتاب من نفوس المسلمين؛ لأنه يعلم أن المسلمين يبجلون صحيح البخاري، برغم أنهم لا يعرفون من هو البخاري ولا حتى اسم البخاري.
وهذا بسبب كلام العلماء عن ثقة هذا الكتاب وثقله ومكانته ومكانة صاحبه رحمه الله.
فيأتي أحدهم ويقول إن: البخاري ليس معصوماً، وهو بشر، وهذا حديث موضوع في البخاري ثم يذكر حديث: (أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل داراً فوجد فيها محراثاً -والمحراث: ما يحرث به الأرض- فأشار إليه صلى الله عليه وسلم وقال: ما دخل هذا بيت رجلٍ إلا أدخل الله الذل عليه)، أي: أن هذا المحراث لا يدخل بيت رجل إلا ودخل الذل معه، فيقول: معنى هذا أن الناس لا يحرثون الأرض، ولكيلا يذلوا لا يقتنون المحراث ويحرثون الأرض، أي: لا يزرعون، فقالوا: إذاً هذا الحديث مكذوب باطل، وهذا البخاري الذي تتشدقون بصحته وو إلخ.
مع أنهم لو ردوه إلى أهل العلم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، وهكذا يعمل الجهل في أهله، ولو سكت من لا يعلم لقل الخلاف.
إن هذا الحديث صحيح، ولا مرية في صحته؛ بل نحن نقسم على صحته، قال إمام الحرمين: (لو حلف رجلٌ بالطلاق أن كل ما في البخاري صحيح ما ألزمته الطلاق؛ لصحة كل أحاديث الكتاب).
هذا اعتداد بصحة الكتاب.
إذاً ما وجه هذا الحديث؟ لقد حمله العلماء على وجهين: الوجه الأول: إذا انشغل الرجل بالزرع عن طاعة الله أذله الله؛ لأن المحراث هذا يكون سبب الذل، وهل هناك ذل أشد من أن يدخل الإنسان الأرض؟ إذاً الذي يعمل بهذا المحراث ويزرع وينسى الله تبارك وتعالى وينسى التكاليف الشرعية، فيكون المحراث هذا سبباً لذله.
الوجه الثاني -وهو المشاهد الآن تماماً-: أن هذا المحراث سبب في ذل الفلاحين الآن لماذا؟ لأن عليهم جباية، وضرائب، وتحصيلاً إجبارياً على المحاصيل أليس هذا من الذل؟ إذاً: المحراث هو سبب الذل، بسبب الجبايات التي تثقل كواهل الناس.
فيكون هذا المحراث سبباً للذل الواقع على كاهل هذا الإنسان، إذاً فما يدخل هذا المحراث بيت رجل إلا أدخل الله الذل معه.
فهذا الحديث له وجه جميل ومحمل رائق، فهل يقال: إنه مكذوب؟! وقد علمنا أن هذه الأحاديث لا تحثنا على الكسل، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال في حديث آخر: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)، فلو أن أحداً يزرع نخلة وقامت الساعة فإياه أن يقول: لن أزرعها، ولمن أزرعها؟ فالقيامة قد قامت؟! وهل هناك حث أكثر من قوله صلى الله عليه وسلم (ما من عبدٍ يزرع زرعاً أو يغرسُ غرساً، فيأكل منه إنسان أو حيوان أو طائرٌ إلا كان له به أجر)، هل هناك أكثر من هذا في الحث على زراعة الأرض واستثمارها؟ إلخ، وهناك أحاديث كثيرة في ذلك.
ولكن الإسلام محاصر من جهتين: الجهة الأولى: جهل أبنائه فيهدمونه من الداخل.
والجهة الثانية: كيد أعدائه من الخارج، فالإسلام ما بين كيد الخارج وعجز الداخل.
فصار المسلمون بذلك من أسوأ الأمم على هذه الحياة الآن!