[العلم بالله هو العاصم من البدعة]
ما هو العاصم من البدعة؟ العلم.
فالصحابة رضوان الله عليهم لم تكن فيهم البدعة، لماذا؟ لشيء واحد، لو نحن حققناه الآن لضربنا البدعة بسهم قاتل، هذا الشيء هو: أن تعلم أنك عبد لله، والعبد له سيد، والسيد يأمر، فلا ترفع قدمك مِن على الأرض إلا إذا قيل لك: تقدم، ولا يتحرك لسانك بقولٍ إلا إذا قيل لك: قل، {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:١] يعني: لا تقولوا حتى يأمركم، ولا تفعلوا حتى يأمركم، فالذي يفعل الفعل من تلقاء نفسه فقد قدم بين يدي الله ورسوله، ونصب نفسه مشرعاً.
فالصحابة ما كانوا يفعلون شيئاً من ذلك.
أحد الصحابة كان يمشي في جبل، فرأى غاراً في جبل فأعجبه، فقال في نفسه: لو تخليت عن الناس وتحنثت لربي فيه!.
إذاً: قصده حسن أم لا؟ قصده حسن، يريد أن يريح الناس من شره، ويجتنب الناس ويعبد الله حتى يصفو له قلبه.
لكنه قال: فوالله لا أفعل حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فقال: يا رسول الله! رأيت غاراً في جبل فأعجبني فقلت: لو اعتزلتُ الناس وتحنثت لربي فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: (أما إني لم أبعث بالرهبانية، إنما بعثت بالحنيفية السمحة).
وأخذ الرجل الجواب واستراح، فلم يفعل حتى يستأذن.
كذلك كان تلقيهم لنصوص الوحي عالياً وفي غاية الروعة، جاء في مسند البزار: (كان أبو الدحداح يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزل قول الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:٢٤٥] فقال أبو الدحداح: يا رسول الله! الله يطلب منا القرض؟ قال: نعم.
قال: ما لي عند ربي إن أقرضته حائطي هذا؟).
تقول الرواية: (إن هذا الحائط كان فيه ستمائة نخلة)، قال صلى الله عليه وسلم: (بيتٌ لا تمرَ فيه جياعٌ أهله) بعض الناس قد يستشكل عليه معنى الحديث فيقول: نحن لسنا أهل تمر، ومع ذلك نحس بالشبع، ليس هذا هو المقصود، وإنما المقصود أنه قد يدخل الرجل بيته وهو شديد الجوع، فيجد امرأته لا تزال تعد الطعام، ويتحاج بعض الوقت حتى يكون الطعام جاهزاً، فما الذي يقيم صلبه بسرعة ويجعله يشعر بالشبع؟ التمر أو أي مادة سكرية؛ ولكن التمر أفضلها، فقوله عليه الصلاة والسلام: (جياعٌ أهله) ليس المقصود به الجوع الدائم، ولكن الجوع المؤقت الذي يزول بالتمر، أي أن الرجل سيعاني من الجوع ولو للحظات إذا لم يكن في بيته تمر.
يقول أبو الدحداح: (يا رسول الله! الله يطلب منا القرض؟ قال: نعم.
قال: ما لي عند ربي إن أقرضته حائطي هذا؟ قال: لك الجنة.
قال: فإني أشهدك أنني أقرضته حائطي هذا).
وقام أبو الدحداح رضي الله عنه من المجلس وذهب إلى الحائط الذي كان يمتلكه، فلم يدخل منه لأنه صار ملكاً لله، ولم يعد ملكاً له، فوقف على باب الحائط وقال: (يا أم الدحداح! اخرجي بأولادك، فإني أقرضت حائطي هذا ربي، فيأتي صوت المرأة المؤمنة ينبعث من داخل الحائط: ربح البيع يا أبا الدحداح)، ولم تقل له: ضيعت مستقبل الأولاد، كان عليك أن تترك لهم خمسمائة نخلة، أو حتى مائتين وخمسين نخلة، ليَكْبُر أولادُك أغنياء؛ ولكنها قالت له بلهجة المؤمن الصادق: (ربح البيع يا أبا الدحداح) أفَمِثل هذا في تلقيه يمكن أن يفتري على الله عز وجل فيبتدعَ حُكْماً لم ينزله الله؟!