[الرفق منهج رباني]
إن الله عز وجل يتحبب إلينا بآلائه ونعمه، يعدد نعمه لنحبه؛ ولنشعر بالتقصير في حقه.
افترض -ولله المثل الأعلى- أن عندك رجل ساكن في شقة مكونة من ثلاث غرف، وعندك ولد في الثانوية العامة أو ولد في امتحان شهادة، وأنت أفرغت له غرفة لوحده، وأنتم كلكم تكدستم في غرفتين، وأعلنت حالة الطوارئ، ممنوع الهمس! الولد يذاكر! ممنوع الصياح! الولد يذاكر! جعلت له ثلاجة لكي يأكل ويشرب المرطبات، وجعلت له مدفأة لكيلا يشعر بالبرد، هيأت له سريراً لوحده، كل هذا وأنت تقول له: يا بني! ذاكر وأنا أصرف عليك.
لكن الولد في نهاية السنة رسب، فماذا ستقول له؟ ستقول له: ألم أجعل لك غرفة لوحدك وتكدسنا في غرفتين؟! ألم أجعل لك ثلاجة؟! ألم أعطك الذي نفسك فيه: تأكل وتشرب؟! ولطالما ضربت إخوتك ورميتهم في الشارع؛ لكيلا يزعجوك؛ حتى تنام جيداً أليس هذا ما ستقوله؟! لماذا؟! لأن ذكر النعم في موضع التقصير أشد من ضرب السيف، لكن لمن هذا؟ للذي عنده دم، للذي عنده إحساس، يفضل أن يضرب بالسيف ولا يلام هذا اللوم ولا هذا التقريع.
فربنا سبحانه وتعالى يخاطب قلب الإنسان: عملت لك وعملت لك وعملت لك وعملت لك وعملت كذا وكذا وكذا ورزقتك وخلقتك ونجيتك ورفعت عنك الأمراض ودعوتني واستجبت لك لكن ما هي النتيجة؟! ولذلك تعداد النعم طريقة قرآنية فريدة تمس القلب، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف) وهذه طريقة لو تدبرتها في التعامل مع العباد تجد أنها أنجع وأقوى من أي وسيلة أخرى.
مثلاً اليهود أكثر منا بالحيلة واللين بمائة مرة من الذي كانوا يصفونه بالشدة؟ فاليهودي الذي اسمه شامير كانت طريقته قائمة على الشدة: سنبني مستوطنات، والذي لا يعجبه سأطلع قلبه فكان يستنفر الناس، وظهر أطفال الحجارة وانتفاضة الحجارة، وذلك كرد فعل طبيعي للعنف.
فقال اليهود لبعضهم: هؤلاء المسلمون نفسهم طويل، وهم الذين يعرفون مصطلح الجهاد والفداء.
وهؤلاء اليهود جبناء، لم يأخذوا قوتهم إلا من ضعفنا، هم ليس لديهم قوة، ربنا هو الذي قال هذا، فهو ليس حكمنا، إنما هو حكم اللطيف الخبير، العالم بالسرائر، قال الله عز وجل: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:١٤].
وفي نفس الوقت اليهودي يحب الحياة، يتمنى أن يعيش ولو ذليلاً مهاناً ولا يموت؛ قال تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:٩٦] (حياة) هكذا من غير ألف ولام، من غير ألف ولام لماذا؟ نكرة من أجل أن يدل تنكيرها على الرداءة، أي حياة، أهم شيء أن يعيش! وصاحب الفداء والجهاد الموت محبب إليه، والمسلمون فقط دون غيرهم هم أصحاب الجهاد والفداء، وأصحاب النفس الطويل، لو تحداك بدينه لا يغلب؛ ولذلك كان رجوع الأمة لدينها أمر في غاية الأهمية، لا تهزم إذا رجعت إلى دينها، لماذا؟ لأن عندهم فداء، وعندهم نفس، وعندهم تضحية.
مثال: العرب المشركون في الجاهلية كان الواحد منهم يقول: إن الكريم إذا دعي إلى طعنة بليل أجاب.
واحد يستنجد بك وأنت لا تعرفه، ويمكن أن يطعنك بخنجر أو يرميك برصاصة وأنت تعرف هذا جيداً، ومع ذلك إذا استنجد بك تجد روح الفداء عندك وتنزل: (إن الكريم إذا دعي إلى طعنة بليل أجاب).
فالفداء والتضحية هذه لا تجدها إلا عند المسلمين فقط.
فقال اليهود: نحن سنظل نناوئهم، والصحوة الإسلامية مدها يعلو، والأطفال هؤلاء لن يستمروا بالضرب بالحجارة، رغم أنني رأيت منظراً لا أنساه أبداً: جنود من اليهود أمسكوا طفلاً وكسروا له عظم يديه الاثنين لكيلا ينتفع بيديه بعد ذلك، وكل من أمسكوه كسروا له عظم يديه وتركوه لكن هؤلاء المجاهدين استمروا يضربون بالحجارة سنوات طويلة! فقال اليهود: لا بد أن نغير الخطة، ما هي الخطة البديلة؟ لا نعمل مثل النجار الغشيم، يأتي على حائط صلب مثل هذا ومعه مسمار، ويضرب ضربة واحدة فإذا بالمسمار مكسور نصفين، أو رجع إلى عينه.
أنت عندما ترى حائطاً صلباً مثل هذا، وتريد أن تدق فيه مسماراً، تظل تدق وتدق برفق! فلو ضربته بالعنف لا يمشي معك، تأتيه بالرفق يمشي معك.
فقال اليهود: ولماذا نظل نحاربهم؟ نحن سنقول لهم: نحن أحبة، ونحن إخوان إلخ، وهيا بنا إذاً نتبادل الزراعة والصناعة والثقافة، ونحن مع ذلك نتلف لهم عقائدهم، ونؤكلهم أناناس وهو محقون بالهرمونات؛ فيحصل لهم فشل كبدي! وفشل كلوي! وسرطانات إلخ، وبهذا نكون انتهينا منهم، ونحن هكذا نظل أحبة ولا توجد مشاكل!