[رد كل قول يخالف الكتاب والسنة مع احترام العلماء]
علماء المسلمين جميعاً يأمروننا بالرد إلى الله ورسوله، لا يحجزك عن الله ورسوله حاجز، لا عالم ولا غيره، لأن الرد إنما يكون إلى المعصوم عليه الصلاة والسلام، إنما العالم مهما جل قد يخطئ، قد لا يعرف وجه الحق في المسألة رغم جلالته، ألا ترون إلى مالك بن أنس رضي الله عنه وفحولته وجلالته؟ روى البيهقي في سننه، عن ابن وهب وابن وهب هذا هو: عبد الله بن وهب، الإمام المصري، العلم الفرد، وكان من تلامذة مالك.
روى البيهقي في سننه، عن ابن وهب قال: سمعت مالكاً وسئل عن التخليل بين الأصابع -يعني وأنت تتوضأ تخلل بين الأصابع بإصبعيك، توصل الماء سواء كان أصابع اليدين أو أصابع الرجلين، أو البراجم- ما تقول فيها؟ فقال: ليس ذلك على الناس -يعني: لا يوجد أحد يعمله- قال: فقلت لـ مالك: كيف تقول هذا وفيه عندنا سنة؟ هل مالك لا يعرف السنة في تخليل الأصابع؟ نعم، لا يعرفها، أبى الله أن يجمع العلم في واحد، ولهذا كيف يتم عجز الإنسان؟ يتم عجز الإنسان بأنه ناقص مهما كان، ما جمع الله العلم كله إلا في الرسل؛ ولذلك قال الإمام الشافعي: (ما منا من أحد إلا وتعزب عنه -أي: تغيب- سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فمهما أصلت من أصل أو قلت من قول وكلام النبي صلى الله عليه وسلم على خلافه فخذوا بكلام النبي صلى الله عليه وسلم).
فـ ابن وهب يقول لـ مالك: كيف تفتي بهذا وفيه عندنا سنة؟ قال: وما عندك؟ قلت: حدثنا ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن فلان عن فلان عن المستورد بن شداد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خلل بين الأصابع) فانظر إلى الإمام مالك! الإمام المنصف! يقوم يغتبط بهذه الفائدة ويفرح، لا يستنكف أن تلميذه رد عليه أو علمه، فقال: هذا حديث حسن جداً، وما سمعت به إلا الساعة.
قال ابن وهب: فحضرته في المجلس بعد ذلك، فكان يفتي بسنية التخليل بين الأصابع.
إذاً: أي عالم مهما كان فحلاً كبيراً تفوت عليه سنة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه واسطتك إلى معرفة الحق.
أنت تلزمه إذا كان عالماً ربانياً، وإذا ظهر لك أن السنة في خلاف قول العالم تترك قول العالم وتمتثل قول النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن العلماء جميعاً قالوا لك ذلك.
وهناك أرجوز لطيفة كثيراً ما أرددها لجمالها وحلاوتها وطلاوتها، لخص فيها صاحبها -رحمه الله تبارك وتعالى- هذا الكلام المبارك لعلماء المسلمين في وجوب ترك أقوالهم والالتزام بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حال المعارضة، إذ لا يجوز لأحد أن يضع في الكفة أحداً في مقابل النبي عليه الصلاة والسلام.
قال رحمه الله: وقول أعلام الهدى لا يعمل بقولنا بدون نص يقبل فيه دليل الأخذ بالحديث وذاك في القديم والحديث قال أبو حنيفة الإمام لا ينبغي لمن له إسلام أخذاً بأقوالي حتى تعرضا على الكتاب والحديث المرتضى ومالك إمام دار الهجرة قال وقد أشار نحو الحجرة كل كلام منه ذو قبول ومنه مردود سوى الرسول والشافعي قال إن رأيتمو قولي مخالفاً لما رويتمو من الحديث فاضربوا الجدارا بقولي المخالف الأخبارا وأحمد قال لهم لا تكتبوا ما قلته بل أصل ذاك فاطلبوا فانظر لما قال الهداة الأربعة واعمل بها فإن فيها منفعة لقمعها لكل ذي تعصب والمنصفون يكتفون بالنبي عليه الصلاة والسلام، كل علماء المسلمين، ليس من العلماء الأربعة فقط: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، كل علماء المسلمين تبرءوا أحياءً وأمواتاً من مخالفة النبي عليه الصلاة والسلام، بأن تلتزم قول العالم بعد ما ظهر لك بجلاء أن قول النبي صلى الله عليه وسلم يخالف قول العالم، إذ أن الرد إنما يكون إلى الله ورسوله.
ولذلك كان من ثمرات الذي يرد إلى الله ورسوله أنه يحيا حياة طيبة في الدنيا والآخرة كما قال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:٢٤] ولا يحيا القلب إلا بالوحي، فإن الله تبارك وتعالى جعل الأمر على قسمين لا ثالث لهما، قال تبارك وتعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص:٥٠] نسأل الله تبارك وتعالى أن يهيئ لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر.
اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا.