إذا سبقت للعبد من الله الحسنى ولم يصرّ على الصغيرة، واستغفر الله وتاب عليه؛ جره إلى الجنس الخامس من الشر وهو: التوسع في باب المباح، مثلاً: رجل تاجر طوال حياته يعمل، ويقول: التجارة حلال، وقد قال الله:(اسعى يا عبدي وأنا أسعى معاك)، ويذكر لك في فضل العمل، وفي فضل النفقة، والغنى أحاديث وآيات، فيوسع له دائرة المباح، لأنه لم يستطع أن يجعله يكفر ولا يبتدع ولا يقع في كبيرة، ولا يصر على صغيرة، إذاًَ: أفضل شيء أنه يجعله يعمل طوال عمره، حسناً: هذا العمل يلهي عن ذكر الله، ويشغله عما ينبغي للعبد أن يجعل له فيه ورداً ثابتاً، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما من ساعة تمر على ابن آدم لا يذكر الله فيها إلا ندم عليها يوم القيامة)، والعمل هذا يشغل عن مثل هذا الذكر، ثم يلبس عليه ويقول له: يا أخي! طالما أنك هكذا فستكون غنياً وتملك الأموال، وبالتالي تستطيع أن تخرج الزكاة، وتكفل الفقراء، وتنفق هنا وهنا، وهذا شيء من أبرك الأعمال.
التوسع في الأكل والشرب مباح، ولكن تصور رجلاً ملأ بطنه بأطايب الطعام والشراب، وأراد أن يعبد الله عز وجل، فإنك تجده يشعر بالكسل والخمول، هذا الكلام مجرب في إفطار رمضان، عندما تفطر وتشرب تقف في صلاة العشاء تتثاءب وتريد أن تنام، ويصد مثل هذا الكسل كثيراً من الناس عن مواصلة صلاة القيام، يقول: عندما تخف بطني سوف أصلي لوحدي، فإذا خفت بطنه لم يصل.
وكم ضيع هذا الشبع على أناس العبادة في رمضان، مع أن الأكل مباح، ولكن يا أخي! اعلم أن الجواد الذي تعده للسباق لا يكون ذا بطن كبيرة، إنما هو الجواد المضمر، عنده قدرة على أنه يجري، فيفوز؛ فنحن في سباق إلى الله عز وجل:{فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:٢٦] وذو الكرش لا يسبق.
إذاً: الأكل والشرب مباح، ولكنه يؤدي إلى الخمول، يقول له: افعل وافعل، وهذا كله حلال، قال تعالى:{كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا}[البقرة:١٦٨]، هذا من الحلال الطيب، فإن الشافعي كان يذهب إلى بيت أحمد بن حنبل ويطعم ويقول:(طعام الكريم دواء)، كل ووسِّع على نفسك.
فإذا اشتغل بالمباح الذي يستوي طرفاه -يستوي فيه المدح والذم- فوت على نفسه من الثواب ما هو أعظم من فعل هذا المباح.