للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصراط: معناه وأساليب وروده في القرآن]

الصراط هو الطريق، وكلما جاء الصراط في كتاب الله مفرداً غير مقيدٍ بوصف؛ فإنما يقصد به الصراط المستقيم، والمستقيم وصفٌ للصراط لكن لو قلت: لفظة (الصراط) بلا وصف لا مستقيم ولا أعوج، إذا جاء الصراط مفرداً غير موصوف في كتاب الله عز وجل فيقصد به الصراط المستقيم، وهذا يدلك على أن لفظة (الصراط) تحمل في معناها لفظة الاستقامة، كما قال عز وجل: {وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} [المؤمنون:٧٤]، ناكب: أي منحرف، ولم يقل: (عن الصراط المستقيم) والسياق أعلمنا أن الصراط هنا هو الصراط المستقيم؛ فالذين لا يؤمنون بالآخرة لا يمكن أن يمشوا على الصراط المستقيم.

وقال شعيب عليه السلام لقومه: {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا} [الأعراف:٨٦]، الصراط هنا المقصود به الصراط الحسي أو المعنوي أو كليهما معاً، {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ} لا تقعدوا في كل طريق ((تُوعِدُونَ)) أي: تهددون الذين آمنوا؛ إذ سلكوا الصراط إلى الله {وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا}، فكلمة (وتبغونها عوجاً) دليل على أن الصراط الذين يصدون عنه مستقيم؛ لذلك أرادوا أن يجروا الذين آمنوا إلى غيره من الطرق المعوجة.

وكلما اعوج الطريق طال، وأنت إذا رسمت بين أي نقطتين خطّاً معوجاً، فالمسافة بين النقطتين إذا كان بينهما خط مستقيم مثلاً عشرة أمتار، لكنها على الخط المعوج صارت عشرين متراً.

ولذلك لما وصفوا الخط المستقيم قالوا: هو الخط الفاصل بين أقرب نقطتين، هو هذا المستقيم.

إذاً كلما استقام الطريق، قصر وقرب في إيصال سالكه إلى المقصود.

ولذلك أمرنا الله عز وجل أن نقرأ في اليوم سبع عشرة مرة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦] لماذا؟ لأن الصراط المستقيم هو أقصر طريق موصل إلى المقصود، كلما كان الطريق معوجاً كلما طال على سالكه، لذلك قال الله عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:١٥٣].

الصراط: وصف بالاستقامة في آيات كثيرة جداً: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المؤمنون:٧٣].

{نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ} [الشورى:٥٢ - ٥٣].

{وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء:١٧٥].

آيات كثيرة فيها ذكر الصراط المستقيم، أو ما يقوم مقام الاستقامة، كقول تعالى: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى} [طه:١٣٥] فـ (السوي) هنا: بمعنى المستقيم أيضاً.

وفي سورة (ص) في الآيات التي تذكر تسور الخصمين على داود: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} [ص:٢١ - ٢٢]، فكلمة (سواء) هنا هي مثل السوي في قوله تعالى: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ} وهي مثل كلمة (المستقيم) في قوله تعالى: {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦].