[طعن أهل البدع في حديث موسى مع ملك الموت]
فذكر حديث موسى عليه السلام مع ملك الموت، فهذا الحديث رواه البخاري في صحيحه، وصححه كذلك الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أرسل ملك الموت على موسى عليه السلام فقال له: أجب ربك، فصكَّه ففقأ عينه، فصعد إلى الله عز وجل وقال: إنك أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموت، فرد الله عليه بصره، فقال: ارجع إلى عبدي، فقل له: آلحياةَ تريد؟! ضَعْ يدك على متن ثورٍ، فلك بكل شعرةٍ مسَّتها يداك سنة.
فقال موسى: أي رب! ثم ماذا؟ قال: الموت! قال: فالآن).
فيقول: إن عباد الله الصالحين لا يكرهون الموت، فكيف بنبي من أولي العزم؟! يقول: إن هذه مجرد دعوى.
يدل على ضد هذا حديثان: هو يقول: إن عباد الله الصالحين يحبون الموت.
نحن نقول: لا.
يدل على هذا الحديث الإلهي حديث: (مَن عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، في هذا الحديث (وما ترددت في شيءٍ أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته).
فهذا دليل على أن عباد الله المؤمنين يكرهون الموت.
والحديث الآخر حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب لقاء الله أحب لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فقالت عائشة: يا رسول الله! كلنا يكره الموت).
هكذا (كلنا)، وعند العلماء: الجملة الكلية الموجزة من أقوى الجمل في إفادة العموم؛ لأن لفظ (كل) تفيد العموم، فهي قالت: (كلنا يكره الموت) فلو كان عباد الله المؤمنون لا يكرهون الموت لقال: (لا يا عائشة! ليس كل الناس يكره الموت) أما وقد أقرها عليه الصلاة والسلام على ذكر هذه الكلية، فهذا يدل على أن عباد الله عز وجل يكرهون الموت، ولا عيب في ذاك؟ كما أن الخوف الجِبِلي لا عيب فيه، وقد تكرر ذكر الخوف على لسان موسى كثيراً: {فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} [الشعراء:١٤].
{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه:٦٧].
{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} [القصص:٢١].
فهذا الخوف الجبلي لا حرج فيه، ولا يعاتب به نبي ولا ولي ولا مؤمن.
فمن أين أوتي هذا الإنسان؟! أوتي من جهله ببقية النصوص الأخرى، وكما قال القائل: (ليتك كمن لا يعلم لقل الخلاف) لكن كلامه يحسب عند المتأخرين قولاً.
كم من أناسٍ لم يكن لهم في العلم أصلاً، ولكن كتبوا وبيَّنوا وتكلموا، فصار قولهم معدوداً في الخلاف لدى المتأخرين الذين جاءوا بعدهم بأزمانٍ متطاولة.
فيقول: إن هذا الحديث يباين العقل السوي، الذي لا يختلف حكمه من رجلٍ إلى رجلٍ على وجه الأرض.
وهذا كذب! لأنه لو كان العقل السوي ضابطاً ما اختلف الخلق؛ لكن تباينت أفهام الخلق لتباين عقولهم، فليس هناك حكم للعقل السوي حتى نقيس عقل المؤمن وعقل الكافر معاً؛ لكن هذا الرجل مشربه على خلاف مشرب أهل السنة وعلى خلاف تلقيهم للعلم.