[غربة الشاب الملتزم وسط مجتمعه]
السؤال
إننا -وخاصة من يلتزم منا حديثاً- نكون بين أهلينا وأسرنا العوام كأننا غرباء، وكذلك في الجامعة نتعرض للاضطهاد المستمر، فنريد توجيه كلمة إلى كل أصحاب هذه الغربة؟
الجواب
أنا أذكر هذا السائل بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء).
و (طوبى) شجرة في الجنة، يقول النبي عليه الصلاة والسلام في وصفها: (يمشي الجواد المضمر المسرع في ظلها مائة عام لا يقطعها، قال أبو هريرة رضي الله عنه: فاقرءوا إن شئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة:٣٠])، فالجواد المضمر يجري في ظلها مائة عام كأعوامنا لا يقطع هذا الظل، فهذه الشجرة للغرباء، وإذا عدت بذاكرتك إلى الغرباء الأولين، وجدتَ أن ما أنت فيه لعب بالنسبةِ لما كانوا فيه، وتجد أن البلاء إنما اشتد عليك؛ لأنك ليس عندك من الإيمان ما كان عندهم، فالمصيبة أننا إنما أوتلينا من ضعف الإيمان، لا من قوة البلاء.
لا أحد يصبر على الإطلاق على الذي كان فيه الصحابة إلا إذا كان عنده مثل إيمانهم، والنبي عليه الصلاة والسلام لما قال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً) فوصف الغربة شَرَف، مثل ما حصل عندما ظهرت اللحية منذ حوالى عشرين سنة كان مظهر الملتحي يعد غريباً، فكان المستهزئون إذا أرادوا الاستهزاء به يقولون له: يا سُني!! بمعنى أنها سبة، فكان أحياناً بعض الملتحين يحسون بنوع من الإهانة، وربما جرى أحدهم وراء المستهزئ به وضربه ودخل في عراك معه؛ لأنه قال له: يا سني! مع أنه لم يسبه أصلاً، ولو كان العلم منتشراً آنذاك لعرف أنه بهذا كأنه يقول له: يا ابن الأصول.
تلك شكاة ظاهرٌ عنك عارُها وفي قصة عبد الله بن الزبير لما أراد الحجاج أن تعييره؛ كأن يقول: ابن ذات النطاقين، بمعنى أنه يشتمه ويعيره بـ ذات النطاقين أمه أسماء بنت أبي بكر لما شقت نطاقها شطرين، وقد كانت حينها حاملاً! لله درك يا أسماء، ومن لنا بمثلها من بين مليون شخص من أشباه الرجال الآن.
انظر إلى الجد والاجتهاد! امرأة حامل في الشهر الأخير تصعد الجبل تحمل الطعام على كتفها، تربطه بنصف نطاقها وتربط بطنها بالنصف الآخر، وتأخذ المتاع وتصعد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وإلى أبيها! وما حملها هذا إلا الفداء والتضحية والحب لهذا الدين؟! فلابد لك من أن تعمل شيئاً لهذا الدين، فنحن عندما نفتخر بنسائنا من الصحابيات والتابعيات، ما ذاك إلا لأن الواحدة منهن تساوي أمة من أشباه الرجال، فما بالك بالرجال الذين فضلهم الله عز وجل على النساء.
فيأتي يُعَيِّرُها ويَعِيْبُها ويقول في عبد الله بن الزبير له عنها: ابن ذات النطاقين.
تلك شكاة ظاهرٌ عنك عارُها أي: دعها أنت -يا ابن الزبير - فلا تكن أنت المُعَيَّر، فهو شَرَفٌ، وأيُ شَرَفٍ! فأنت حين تتصف بالغريب اسم الغريب، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال لك: (بدأ الإسلام غريباً)، ومعروف أن البداية كانت مشرفة، ثُلة من المتقين شرفوا جبين الزمان من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة، صدقوا الله عز وجل، لم تكن بينهم أحقاد، ولم تكن بينهم الخلافات التافهة الموجودة الآن بين أفضل الإخوة مع بعضهم بكل أسف، فتجد الرجل فاضلاً وعالماً وداعيةً، وبينه وبين غيره من الأحقاد ما يعجز عن وصفه اللسان.
فالصحابة جردوا العزم لله عز وجل، وكانت البداية لهذا الدين بتضحيتهم وإخلاصهم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.