للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فساد المرأة وأثره على الأجيال]

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

روى البخاري رحمه الله في مطلع صحيحه حديث أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه، وقد رواه مسلم أيضاً في مناظرة أبي سفيان مع هرقل عظيم الروم.

وقد كانت هذه المناظرة في شأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في وقت ظهوره، فكان من جملة المحاورة قول هرقل لـ أبي سفيان: كيف كان قتالكم إياه؟ قال: الحرب بيننا وبينه سجال، ننال منه وينال منا.

وفي صحيح البخاري أيضاً من حديث البراء بن عازب وهو يذكر طرفاً من واقعة أُحد، لما خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركوا مواقعهم: (وصعد أبو سفيان على قمة الجبل وقال: أفيكم محمداً؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه؟ أفيكم أبو بكر؟ قال: لا تجيبوه؟ أفيكم عمر؟ قال: لا تجيبوه؟ حينئذٍ رفع عقيرته قائلاً: اعلُ هبل)، لعلمه أن قيام الإسلام كان بهؤلاء، وحيث أنهم لا يجيبونه إذاً فقد قتلوا، فحينئذٍ افتخر بآلهته ورفع صوته وقال: اعلُ هبل.

فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا تجيبوه، قالوا: وماذا نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل، فقال: لنا العزى ولا عزى لكم.

قال: ألا تجيبوه؟ قالوا: كيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم، فقال أبو سفيان: يومٌ بيوم بدر، والحرب سجال).

الحرب سجال كما قال أبو سفيان: ننال منه وينال منا، وكما قال تبارك وتعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:١٤٠]، كانت الحرب سجالاً، فكيف صارت الحرب من طرف واحد؟ سجال.

يعني: لنا الغلبة مرة ولهم الغلبة مرة أخرى، لكن تاريخنا المعاصر يشهد بأن الغلبة لأعدائنا في كل الجولات باستثناء جولة واحدة، وقد ذهبت أدراج الرياح أيضاً، والتاريخ المعاصر يشهد أن كل الهزائم بلينا نحن بها، ولم تعد الحرب سجالاً كما كانت، فما هو السبب يا ترى؟ السبب أن أجل صناعة عرفتها الدنيا والتي انفردنا بها أجيالاً وقروناً طويلة، قد جفت منابعها، ألا وهي صناعة الرجال.

إن الشخصيات الكبيرة التي يلمع أسماؤها في بلادنا اليوم هي شخصيات مصابة بالشذوذ الجنسي والعقد النفسية، وأعداؤنا يقدمون هذه الشخصيات لأمتنا على أساس أنها هي القدوة والأسوة.

أمة الإسلام أمة مليئة بالعظماء، فكيف جفّت هذه الصناعة وكيف عز الرجال فيها؟! وهذا واضح من كلام أبي سفيان: أفيكم محمداً؟ أفيكم أبو بكر؟ أفيكم عمر؟ هذه هي الشخصيات التي يقوم عليها دين، ونحن لا نعلم من لدن آدم عليه السلام إلى هذه اللحظة التي أتكلم فيها من شهر رجب من عام ألف وأربعمائة وواحد وعشرين هجرية لا نعلم جيلاً من الأجيال أقام دولة في عشر سنوات إلا هذا الجيل الفريد.

لقد جفت منابع هذه الصناعة بسبب فساد المرأة، فالمرأة هي المعمل الطبيعي الذي يخرج منه الأبطال، فالمرأة مهمتها أن تلد وتربي، ولذلك تجد أعداء الدين يدندنون حولها وما ملوا أبداً.

وهناك قاعدة إعلامية معروفة تقول: (ما تكرر تقرر).

فإذا أرادوا أن يقرروا شيئاً كرروه ليلاً ونهاراً، حتى لو كان شيئاً تافهاً ليس له قيمة.

أذكر عندما جاءوا بقصة حسنين ومحمدين، كان العالم كله يضحك لتفاهة المضمون، لكن النتيجة ظهرت بعد أربع سنوات من استمرار العرض للقصة، فقد اقتنع العالم بفكرة تكوين أسرة صغيرة وأن فيها حياة أفضل، وقد انطوت هذه القصة بكل أسف على بعض رجال العلم مع فهمهم للفكرة ومصادمتها لنصوص قاطعة في الكتاب والسنة.

وبدأت المسألة بذهاب قاسم أمين إلى باريس، ليؤدي الدور المطلوب، ثم رجع إلى مصر، وكان بطبيعة الحال لا يستطيع أن يواجه المسألة مرة واحدة، فكتب كتاب: تحرير المرأة.

وقال: إنني لا أقصد بتحرير المرأة تحريرها من دينها، حاشا لله، لا، ولكن نريد أن تتعلم المرأة.

لقد استغل الأوضاع السيئة التي بالغ الآباء الجاهلون فيها في رفض تعليم المرأة حتى في البيت، فقال: أنا أريد أن المرأة تخرج لكن في حدود الدين، وتتعلم القرآن، وتقرأ سنة نبيها صلى الله عليه وسلم.

وقد كان محمد عبده من الذين تبنوا فكرة قاسم أمين، ودافعوا عنه وأشادوا بعقله المستنير، وأن الذي يطلبه هو من صميم الإسلام، فقالوا: لذلك نحن نبني مدارس خاصة للبنات لا يدخلها رجال، لأن هذا مناقض لديننا، ونحن لا نقصد بتحرير المرأة أن تخرج من دينها، لا.

نحن نريدها أن تتعلم حتى تستطيع أن تقرأ في الكتاب والسنة، فنحن نبني مدارس خاصة للبنات، ونشدد أن ولي الأمر هو الذي يصطحب ابنته من البيت إلى المدرسة، فكانت البنت تخرج من البيت على (الحنطور) ولا يراها أحد وتنزل داخل فناء المدرسة، وبدأت الفكرة النيرة تظهر وتتبلور، وبدأ الناس يقتنعون بها ويتبناها بعض العلماء.

لكن الواقع أن ولي الأمر بطبيعة الحال لا يستطيع أن يوصل البنت إلى المدرسة يومياً ولفترة زمنية طويلة؛ فأوجدوا سائقاً يوصلها إلى المدرسة يومياً، واستمرت لفترة حتى جاءت مشكلة زحمة الأشغال على السائقين وعدم قدرتهم على توصيل البنات يومياً إلى المدرسة، فقرروا أن البنت هي التي تذهب من البيت إلى المدرسة.

إذاً: بدأت المسألة شيئاً فشيئاً، فالأب ما عاد يستطيع أن يذهب كل يوم، والسائق كانت لديه أشغال كثيرة، وما يستطيع أن يوصل الحنطور إلى المدرسة، فجاءت فكرة أن البنت تخرج بنفسها من بيتها إلى المدرسة، قال تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ:٣٣].

وما هي إلا فترة بسيطة حتى بدأ قاسم أمين يظهر منهجه وفكره خاصة في كتابه: المرأة الجديدة الذي ألفه بعد كتاب: تحرير المرأة، وأسفر فيه عن وجهه فعلاً.

لقد دعا فيه إلى ضرورة الاختلاط بين الرجل والمرأة، وأن الدنيا هذه كلها رجل وامرأة، وما المانع أن يخاطب الرجل المرأة وتكون نفسيته طاهرة، وأن تخاطب المرأة الرجل وتكون إنسانة عفيفة نبيلة.

لماذا نفترض سوء الظن، وأنه ما اجتمع رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما إن هذا سوء ظن!!.

من ذلك الوقت صار هم المرأة أن تتعلم، وأن تدخل في وسائل التعليم المختلفة وتأخذ الماجستير والدكتوراه، وأصبحت تنافس الرجل في كثير من المناصب والمراكز والأعمال.

كان أبو البنت يقول: كل هذا التعليم حتى تجلس في البيت!! لا.

لا بد أن تحقق ذاتها، والمرأة هي نصف المجتمع، فتكون نصف طاقات المجتمع معطلة!! كان ثلاثة أرباع الشباب جالسين على الأرصفة لا وظائف ولا أعمال وهم يقدمون المرأة.

من الأولى بالوظيفة؟ هل الشاب الجالس على الرصيف بلا وظيفة أم المرأة التي لا عمل لها بالحقيقة؟! فمن هنا بحثنا عن الرجال الذين سيقفون لهؤلاء الأوغاد الجبناء الذين وصفهم رب العالمين بقوله: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:١٤].

هذه الأمة ينتسب إليها مليار مسلم، لو بصق كل واحد منهم بصقة لأغرقوا خمسة عشر مليون يهودي، يتحكمون في اقتصاد العالم وزراعته وتجارته.

في سنوات الضعف والهزيمة، أصبح الضعف والاستسلام كياسة وحكمة، وهؤلاء لا يعرفون إلا منطق القوة.

أحد الشعراء أجاد في تصوير الضعيف والقوي من الأمم، فذكر قصة رمزية دارت بين طائر الشحرور الضعيف وبين الثعبان القوي، فقال كان الربيع الحي روحاً حالماً غض الشبابِ معطر الجلبابِ يمشي على الدنيا بفكرة شاعرٍ ويطوفها في موكبٍ خلابِ فرآه ثعبان الجبال فغمهُما فيه من مرحٍ وفيضِ شبابِ فانقض مضطغناً عليه كأنه سوط القضاءِ وفرية الكذابِ بُغت الشقيّ من هول الردى متلفتاً للصائل المنتابِ وتدفق المسكين يضرخُ قائلاً ماذا جنيتُ أنا فحقَ عقابي لا شيء إلا أنني متغزلٌ بالكائنات مغردٌ في غابي ألقى من الدنيا حناناً طاهراً وأبثها نزو المحب الصابي أيعّدُ هذا في الوجود جريمةً أين العدالة يا رفاق شبابي فالشرع المقدس ها هنا رأي القوي وفكرةُ الغلابِ وسعادة الضعفاء جرمٌ ما له عند القوي سوى أشد عقابِ ولتشهد الدنيا التي غنيتها حلم الشباب وروعة الإعجابِ أن السلام حقيقة مكذوبةٌ والعدل فلسفة اللهيب الخابي لا عدل إلا إن تعادلت القوى وتصادم الإرهابُ بالإرهابِ فتبسم الثعبان بسمةَ هازئٍ وأجاب في سمتٍ وفرط إهاب يا أيها الغر المثرثر إنني أُرثي لثورة جهلك التلآبِ فاكبح عواطفك الجوامح إنها شردت بلبك واستمع لخطابي إني إلهٌ طالما عبد الورى ظلي وخافوا لعنتي وعقابي وتقربوا لي بالضحايا منهمُ فرحين شأن العابد الأوابِ أفلا يسرك أن تكون ضحيتي فتحل في لحمي وفي أعصابي وتكون عزماً في دمي وتوهجاً في ناظري وحدةً في نابي فكر لتدرك ما أريد وإنه أسمى من العيش القصير النابِ فأجابه الشحرور في غصص الردى والموت يخنقه إليك جوابي لا رأي للحق الضعيف ولا صدى والرأي رأي القاهر الغلابِ فاصنع مشيئتك التي قد شئتها وارحم جلالك من سماع خطابي أصبح الضعيف لا يملك إلا الشجب والاستنكار، والقوي يفعل ما يريد، إننا في أمس الحاجة إلى هذا الصنف الذي رفع أبو سفيان عقيرته قائلاً: أفيكم محمداً؟ أفيكم أبو بكر؟ أفيكم عمر؟ وهذه أمة متفردة في صناعة الرجال.

فينبغي على المرأة أن تقوم بدورها في هذه المحنة، وأن ترجع مرة أخرى إلى بيتها، وأن تربي الأبن