للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نفي الحرج عن دين الله عز وجل]

حرّج عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه على نفسه كثيراً، والرسول عليه الصلاة والسلام من دينه ومن سنته أنه كان ييسر دائماً، كان عبد الله بن عمرو بن العاص من العباد، ففي صحيح ابن حبان يقول: جمعت القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أقوم به كل ليلة، هذا شيء عجيب مدهش، قال أحدهم: كان القرآن ما زال ينزل، قلت له: فليكن الذي نزل عشرون جزءاً، يعني أنه كان يقرأ كل ليلة عشرين جزءاً في قيام الليل.

فهذه المعاهدة للنفس من ثمرتها: الأنس بالفعل، كما قال بعض السلف: عالجت قيام الليل سنة، واستمتعت به عشرين سنة، أول سنة هي سنة التعب والمجاهدة، فيظل في صراع دائم مع الشيطان إلى أن يتعود وتصير له ملكة، فيبدأ يشعر بلذة القيام، ويشعر بالراحة والرضا والأنس، فهذا هو الذي حصل لـ عبد الله بن عمرو بن العاص، فقد كان يشعر بالأنس والرضا والراحة عندما يصلي، فصار قيام الليل سجية بالنسبة له، لاسيما وقيام الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام مرة: (يا عبد الله! لا تكن كفلان كان يقوم الليل فتركه) فذمه على ترك قيام الليل، والإمام البخاري رحمه الله بوب في صحيحه باب: أن قيام الليل ينجي من النار، وروى تحته قصة لطيفة جداً أو حديثاً ظريفاً لـ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، يقول عبد الله بن عمر: كنت شاباً عزباً أبيت في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الناس يرون رؤى فيقصونها على النبي عليه الصلاة والسلام، وكانت فيها بشارات، فقد جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: بينما أنا نائم رأيت حبلاً معلقاً في السماء وفي آخره حلقة، فأمسكت بتلك الحلقة ثم استيقظت من النوم وأنا ممسك بها، فقال: (عبد الله مستمسك بالعروة الوثقى) فجاءت البشارة من الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه مستمسك بالعروة الوثقى.

وجاء آخر فقال: رأيت في المنام أني في روضة خضراء وفيها خيمة، وأنا قاعد فيها، فقال له: (أنت تموت على الإسلام) فكان عبد الله بن عمر بن الخطاب يتمنى أن يرى رؤيا، وقد تحققت أمنيته ولكنها كانت رؤيا مفزعة قال: رأيت ملكين يجراني إلى النار، فقال: وأنا أقول: أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار، حتى أوقفوني على شفيرها، فإذا هي مطوية كالبئر -البئر يطلق على الحفرة المبني حولها، أما إذا لم يُبنَ حولها شيء فتسمى: قليباً- وإذا فيها أناس معلقون من أرجلهم عرفتهم -أو قال: عرفت بعضهم- قال: وأنا أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، قال: فأخذني منهم ملك، وقال لي: لم ترع، أي لا تخف فاستحيا أن يقص هذه الرؤيا على النبي عليه الصلاة والسلام فقصها على أخته حفصة أم المؤمنين، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت البشرى، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عبد الله رجل صالح) وفي اللفظ الآخر قال: (نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)، قال راوي الحديث: فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً.

وفي سنن النسائي حديث جميل يقول فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليضحك إلى عبد كان يسير مع أصحابه في رفقة فعرسوا -ضربوا خيامهم واستعدوا للنوم- وكان النوم أحب شيءٍ إليهم، فناموا فقام هو فتوضأ يتملق ربه بركعتين) يضحك الله لهذا الرجل، لأنه آثر القيام لله عز وجل على النوم الذي هو أحب شيء فقام وتوضأ وصلى ركعتين، وصف قدميه بين يديه يتملق، أي: يتزلف ويتقرب من الله عز وجل.

فكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقوم الليل ويقرأ ما جمعه من القرآن على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فصار عنده ملكة.