قال: وخرجت من البيت وليس معي درهم ولا دينار، ولا أدري إلى أين أذهب، حتى استأجرت من بعض إخواننا، وكان الشيخ الألباني رحمه الله له أيضاً دروس يعقدها في دمشق، وكان يشرح في تلك الأيام كتاب (زاد المعاد) لـ ابن القيم، وكان من ثمرة تدريسه هذا الكتاب الذي وضعه على زاد المعاد باسم (التعليقات الجياد على زاد المعاد) خرج فيه أحاديثه، ونقحه، واعترض عليه في بعض المسائل وأدلى بحجته، وما لم يظهر دليله أظهر دليله، ولكن الشيخ -كما أخبرني- لم يتم هذا الكتاب ولم يطبعه حتى الآن.
ودرَّس أيضاً كتاب الباعث الحثيث في شرح اختصار علوم الحديث للشيخ أحمد شاكر رحمه الله.
قال: وتزوجت ولم يساعدني أبي بشيء إلا بمائتي (ليرة) سورية، قال: ولكني كنت دقيقاً في مهنتي فبسط الله علي الرزق، فكثرت الزبائن وتحسن الحال.
ثم بدأ الشيخ يرتاد المكتبة الظاهرية، والمكتبة الظاهرية تساوي دار الكتب المصرية، فهي مكتبة عامرة بنفائس المخطوطات النادرة، فكان يذهب إلى هذه المكتبة ويمضي يومه كاملاً إلى وقت متأخر من الليل، حتى إن الموظفين في المكتبة إذا أرادوا كتاباً ولم يعلموا بمكانه كانوا يسألون الشيخ الألباني عنه وهم الموظفون المختصون بالمكتبة! حتى وصل به الحال إلى أن أخذ مزية لا أعلم أحداً في الدنيا أخذها غير الشيخ الألباني، وهي أن مدير المكتبة الظاهرية أعطاه مفتاح المكتبة، مع أنها مؤسسة حكومية، وأنت تعلم أن المخطوطات ثمينة، فالمخطوطة الواحدة تباع بمليون (جنيه) وهذه المخطوطات هي تراث أمتنا الذي جاء المستعمرون وسرقوه ومضوا، والحملة الفرنسية لما أتت شغلونا بالكلام الفارغ، يقولون: اللغة الهيروغليفية! ماذا فعلت لنا هذه اللغة؟ عرفنا ماذا كان يأكل القدماء، وماذا كانوا يشربون، وكيف كانوا ينامون فما قيمة هذا الكلام؟ ولكن المستعمرين لما رحلوا إلى فرنسا سرقوا آلاف المخطوطات معهم وذهبوا لينصبوا المكتبات في باريس، ويوجد في العالم مئات المكتبات التي تضم آلاف المخطوطات الإسلامية.
فمدير المكتبة الظاهرية أعطى الشيخ ناصر الدين الألباني المفتاح، وأعطاه غرفة خاصة في المكتبة، ولم يشغل نفسه كثيراً بالبحث عن القوت.
فيا ليت طلاب العلم يتأسون به في ذلك، فالشيخ ناصر الدين الألباني لم يصل إلى هذه الرتبة بسهولة، إنما وصل إليها بعد جهد جهيد وعناء شديد وعزم لا يلين.