للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم توجه المرضى النفسانيين إلى الأطباء النفسانيين]

السؤال

ما قولكم في توجه المرضى النفسانيين إلى الأطباء النفسانيين؟

الجواب

بالنسبة لتوجه المرضى النفسانيين إلى الأطباء النفسانيين فنقول: إن معظم أطباء النفس يحتاجون إلى طبيب نفساني؛ لأنهم أيضاً مرضى، يذهب إليه الشاب يقول: أنا متعب.

- فيقول له: أأحببت قبل هذا؟ - يقول له: لا، أبداً، ما لي أي تجربة.

- يقول له: حاول تجرب.

أسمعت موسيقى؟ - لا.

- حاول تسمع موسيقى، لاسيما الموسيقى الكلاسيكية -مثلاً- من الساعة الثانية عشرة إلى الساعة الواحدة.

هؤلاء الناس يحتاجون إلى طبيب يعالجهم؛ لأنهم مرضى فعلاً.

لذلك ننصح أي مريض مرضاً نفسياً إن كان لا بد ذاهباً فليذهب إلى طبيب نفساني تقي، يأخذ بيده إلى الله تبارك وتعالى؛ لأن الله عز وجل هو الذي سلبه النعمة، وهو الذي يرجعها إليه وحده تبارك وتعالى لا إله غيره، فأنت تذهب وتلتمس لعبدٍ مثلك، يمكن أن يكون هو مريض نفسياً، أنا أعرف أطباء مرضى نفسيين.

يا أيها الرجل المعلم غيرَه هلاَّ لنفسك كان ذا التعليمُ تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصح به وأنت سقيمُ ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ فهناك يُسمع ما تقول ويقتدى بالقول منك وينفع التعليمُ لا تنهَ عن خُلُق وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ هؤلاء الذين يعانون من أمراض نفسية علاجهم -وهذا علاج مجرب- الصحبة الصالحة، يلغي كل هذه المعارف من حياته، ويعطيه الجرأة أن يقاطعهم ويخاصمهم لا، لا يستأمنهم على قلبه، وعليه بمصاحبة الأتقياء.

صاحبك من إذا ذكرتَ الله أعانك، وإن نسيتَه ذكَّرك.

هذا هو صاحبك، فالمشكلة من جذرها هو البُعد عن الله عز وجل بأي صورة كانت، ولو نظرت إلى أي رجل في حياته ذنب عظيم فهو الذي جعله ينطوي هذا الانطواء.

فالعلاج: أن يرجع وأن يصحح هذه الصحبة.

ثم يقول لصاحبه: أنا مريض، أنا مكتئب، أنا أحسست -مثلاً- أن الله لن يغفر لي؛ لأنني فعلت كذا وكذا وكذا، فيتلو عليه من آي الذكر الحكيم ما هو شفاء لما في صدره، ومن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ما يرغبه في الآخرة، ويجعله يجزم أن الله تبارك وتعالى بحسن ظنه سيتجاوز له عن ذنبه، هنا يأتي العلاج وشفاء الصدر.

أما أن يطرق باب الطبيب النفساني الذي يحتاج هو نفسه إلى طبيب نفساني، فهذا كالمستجير من الرمضاء بالنار.

أتفر من الذي يرحمك إلى الذي لا يرحمك؟ هذا غير معقول! هذا دجال، ويريد أن يستحوذ أيضاً على ماله.

ثم إن هذا الدجال الذي تستعين به -مثلاً- يستعين بالجن.

بعضهم يقول: جني صالح.

فأقول له: وما أدراك أنه صالح؟ أتأخذ دعوى الصلاح من فم الجني نفسه؟ الساحر أكفر رجل في الأرض، ويقول لك: أنا أعبد إنسان في الأرض، وكل ضال في الأرض يظن أنه على هدىً مستقيم.

فالمعروف أن الجني لا يريد للإنسان خيراً، ومعروف أنه ليس لك عليه سلطان؛ بل العكس: قد يكون له عليك من السلطان ما ليس لك عليه، ومصداق ذلك قوله عز وجل: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:٢٧] هل هناك شخص يجعله الجني مستقيماً؟ طبعاً لا، هل سنصنع مثل ما صنع المفتي، الذي ذهب ليأخذ الفتوى من محافظ البنك المركزي فقال له: - أنت تتعامل بالربا؟ فقال له: أبداً يا سيدي، نحن نتعامل بالربا! فقال: يكفي يا جماعة، هذا الرجل يقول أنه لا يتعامل بالربا.

فهذا يقول للجني: أنت مؤمن؟ - يقول له: نعم، أنا مؤمن.

- إذاً أنا أتعامل مع جني مؤمن.

طيب فما أدراك أيضاً أنه مؤمن؟ يقول: بدليل أن الجني غير المؤمن يتكلم كلاماً سافلاً.

نحن أيضاً يمكن أن نقول هذا الكلام، وكما يقول الله عز وجل على لسان الجن: {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً} [الجن:١١]، فيهم الشيوعي، والكافر، والنصراني، والمنافق كالإنس تماماً، فهذا الرجل عندما يقول: أنا مؤمن، ما أدراك أنه مؤمن؟ واعلموا أن هؤلاء الذين يتعاملون مع الجن لا يمكن أن يسخروا الجن إلا بعد أن يكفروا؛ لأن الجني لا يمكن أن يخدم أحداً من الإنس إلا إن طلب منه: ألا يصلي، وأن يضع المصحف في دورة المياه، وأن يعمل عملاً نجساً فيأتي بأوراق المصحف فيضعها في دورات المياه، ويقول: إن فعلتَ ذلك أنا تحت أمرك، أعمل كل شيء يخطر ببالك، وهناك كثيرون جداً ممن كتب الله تبارك وتعالى عليهم الشقاء، يكون الجني تحت أمره، ولا يكاد يقول له قولاً إلا وجده كما قال، كأنه يعلم الغيب.

فهذا الجني هو الذي أعطى هذا الرجل هذه المعلومة، كما ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيحين- فيما معنى الحديث: (إن الكهان يقذفون بالكلمة، فنجد فيها حقاً وباطلاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليسوا بشيء، إن الجني يأتي بالكلمة من الحق فيلقيها على أفواه الكهان فيخلطونها بمائة كذبة).

في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان الجني يصعد إلى علو السماء ويسترق السمع، ويعرف الأخبار التي في السماء الدنيا، فينزل يلقيها على أفواه الكهان، يقول: سيكون كذا ويفعل كذا، فتنزل الأقدار على نحو ما التقط الجني، فلما بعث النبي عليه الصلاة والسلام جعل الله تبارك وتعالى على السماء حراسة مشددة، قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات:١٠] أي واحد من الجن يسترق السمع ويضع أذنه على بابنا ويستمع؛ نرسل عليه شهاباً ثاقباً يقتله، فماذا يفعل الجن؟ يركبون على بعضهم، إلى أن يصلوا إلى باب السماء، فيأخذ الكلمة ويطير، ثم يذهب إلى الكاهن قبل صلاة الفجر، يقول: قل لفلان: ابق في مكان كذا وكذا، ولا تمش من طريق كذا؛ لأن ثمة شيء سيقع، وسيقع كذا في بلاد كذا.

يخرج إلى الناس في الصبح وفعلاً يجد هذا كما قال الكاهن تماماً، فيظنون أنه يعلم الغيب، وهذا لا يعد غيباً؛ لأن الغيب المطلق إنما يستأثر به الله تبارك وتعالى، فإذا قضى الله عز وجل أن فلاناً سيموت، فيُخبر ملك الموت أن فلاناً سيموت في وقت كذا، فملك الموت مع الملائكة الموكلين بقبض الأرواح يأخذون هذا الأمر ويبدءون بتنفيذ الأمر الإلهي في هذا الإنسان.

إذاًَ: طالما علم بالخبر ملَك أو أكثر لم يعد غيباً، فالغيب غيبان: - غيبٌ مطلق لا يعلمه أحدٌ إلا الله.

- وغيب نسبي: يعلمه بعض الخلق دون بعض.

فهو غيب بالنسبة لنا، وليس غيباً بالنسبة للملائكة، فيأتي هذا الجني فيلقي بهذا الشيء الذي لم يعد غيباً مطلقاً على أفواه الكهنة فيُحْدِث تناقضاً، فيمكن يقول لك: أنت مكتئب لأن فلان الفلاني مات.

- فتقول له: نعم.

- وقد صارت عندك حمى لمدة خمسة عشر يوماً.

- نعم.

فتجد أن أخباره صحيحة؛ لأن الجني زوده بها.

فما زال بك حتى يستحوذ عليك وعلى مشاعرك، فتتصور أنك إن ابتعدت عنه خطوة فلن تعالَج.

وأنه فعلاً أتى بالمرض من قراره كما يقولون.

فالإنسان يتشبث به، ويتصور أن الشفاء بيده، فلا يجوز الذهاب إلى هؤلاء العرافين؛ لأنهم دجالون؛ لا يملكون ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، والذي يملك هذا كله هو الله تبارك وتعالى.