للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كثرة الأعمال وتنوعها وضيق الوقت]

ثالثاً: المطلوب لما آتي إلى محاضرة مثل هذه، أن أحضر وأحترم عقول السامعين، وأعتقد أن في الجلوس من هو أكفأ مني وأفهم، فذا يزيد من حجم محنتك ليلة الجمعة، ولا بد أن تجيء بحاجة جديدة لتهز بها العقل والقلب، لكي توصل الهدى إلى الناس.

رابعاً: المطلوب منك أن تحقق في الكتب، وتقرأ في المخطوطات، وتحقق الأحاديث، وتنظر في الطرق وفي متابعة الرواة.

خامساً: أنت رب أسرة ووراءك أولاد وزوجة، وهذا عنده مشكلة، وآخر كذا! وذا يريد أن يعمل ماذا، أنت رجلٌ تمثل وحدك في المجتمع وجارك عنده كذا، وذا أنا أريده في كذا إلخ.

قسم هذا الكلام على (٢٤) ساعة، هل تستطيع أن تفي بشيء من هذا، لو أن هذا البلد فيه مثلاً (٣٠) أو (٤٠)، أليس الحمل كان سيخف عليَّ وعلى إخواني، من أكبر المحن أن تكون وحدك، وأنا أقول هذا لطلاب العلم، احذر أن تفكر أنك إذا كنت وحدك تكون مرتاحاً، وأنك بالانفراد تنجو من البلاء، ولا يوجد في البلد غير واحد، هذه محنة لا يفتخر بها.

قرأت في كتاب لـ أبي موسى المديني حكاية ما تمالكت نفسي، وذرفت عيني بالدمع، وهذا الكتاب مخطوط ولم يطبع حتى الآن واسمه: كتاب اللطائف في علوم الحديث، يقول هذه الحكاية: كان سفيان بن عيينة في مجلسه يوماً، فقال: هل فيكم أحد من أهل الشام؟ - قال رجل: نعم.

- قال: ما فعل الوليد بن مسلم؟ - قال: مات.

- هل فيكم أحد من البصرة؟ - قال فلان له: نعم.

- قال: ما فعل فلان؟ - قال: مات.

- هل فيكم أحد من الكوفة؟ - قال: نعم.

- قال: ما فعل فلان؟ - قال: مات.

- هل فيكم أحد من بلاد ما وراء النهر؟ - قال: نعم.

- قال: ما فعل فلان؟ - قال: مات.

فحينئذٍ بكى سفيان، ثم أنشد قائلاً: خَلَت الديار فسُدْتُ غير مُسَوَّدِِ ومن الشقاء تفردي بالسؤددِ يبكي سفيان فهو بعدما مات أقرانه هؤلاء، وكان عندهم حديث، كل الشباب الذين كانوا في الحلقات المتفرقات جاءوا تحت رجليه يسمعون.

إذاً: هذا جيدٌ أن يحضرَ له مائةُ ألف بدلاً من أن يحضرَ له عشرةُ آلاف أو خمسةُ آلاف، ويكون فرحاً بشبابه أن كل هؤلاء يحضرون له! لا.

هذه محنة وليست منقبة؛ لأنه كلما كان لك أتباع يحملون عنك ويوصلون الهداية يكون أبلغ من أن توصلها وحدك.