إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أخرج النسائي في سننه، والبخاري في الأدب المفرد، وأحمد في المسند، والبزار والحاكم والبيهقي وغيرهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال:(أتى أعرابي من البادية عليه جبة من طيالسة، مكفوفة بديباج أو مزرورة بديباج فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن صاحبكم هذا هذا يريد أن يضع كل فارس ابن فارس، وأن يرفع كل راعٍ ابن راعٍ، ثم قام إليه فجذبه بمجامع جبته، وقال له: أرى عليك ثياب من لا يعقل، ثم تركه، وقال صلى الله عليه وسلم: إن نوحاً قال لابنه -وفي رواية لـ أحمد-: (إن نوحاً قال لابنَيه: إني قاصرٌ عليكما الوصية) هذا لفظ لـ أحمد، وهناك لفظ آخر لـ أحمد وغيره: قال: (إني قاص عليكما الوصية.
إن نبي الله نوحاً عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه أو قال لابنيه: إني قاصرٌ أو قاصٌّ عليكما الوصية: أوصيكم باثنتين وأنهاكما عن اثنتين، أوصيكما ب (لا إله إلا الله)؛ (فإن لا إله إلا الله) إذا وضعت في كفة ووضعت السماوات والأرض في كفة لرجحت بهن (لا إله إلا الله)، فلو كانت السماوات والأرض حلقة مبهمة -أي: مصمتة جامدة- لفصمتهن أو لقصمتهن (لا إله إلا الله)، وأوصيكم بـ (سبحان الله وبحمده) فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاكما عن الشرك والكبر - في رواية أحمد - قال رجل: يا رسول الله! إني أحب أن يكون لي نعلين حسنتين لهما شراكان حسنان، أفهذا كِبْر؟ قال: لا.
قال: فإني أحب أن يكون لي حلة، أفهذا كِبْر؟ قال: لا.
قال: فإني أحب أن يكون لي صحبة، أهذا كِبْر؟ قال: لا.
فقالوا: فما الكِبْر؟ قال: الكِبْر بطر الحق وغمط الناس -وفي رواية للحاكم - قال -عليه الصلاة والسلام-: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس).
هذا حديث جليل وهو من القصص الصحيحة التي قصها علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أخرج الطحاوي رحمه الله في شرح معاني الآثار هذا الحديث مختصراً تحت النهي عن لبس الحرير، وهذا يوضح لماذا جذب النبي عليه الصلاة والسلام هذا الأعرابي جذبة شديدة، مع أن خلقه عليه الصلاة والسلام هو السماحة، وأنه كثير ما آذاه الناس أو كثير ما رأى بعض المخالفات من بعض المسلمين فكان يترفق بهم؟!