[حكم الإسبال والصلاة خلف المسبل]
السؤال
ما حكم الإسبال؟ وما جزاء الإمام المسبل؟ وهل تقبل الصلاة خلفه؟
الجواب
أما الإسبال: فحرام؛ لا يجوز لأحد أن يجر إزاره دون الكعبين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار) والذين توهموا أن جر الإزار مذموم مع الكبر والخيلاء أخطئوا في ذلك لماذا؟ لأنهم خلطوا بين حديثين: الحديث الأول (ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار) والحديث الآخر: (من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه) قالوا: إذاً: لو جر إزاره بغير الخيلاء فهو جائز، أما إذا جره خيلاء فهذا هو الذي لا ينظر الله عز وجل إليه، نقول: لا.
هناك مسألتان.
المسألة الأولى: الجر بغير خيلاء، والمسألة الأخرى: الجر بخيلاء، وعلماء الأصول يقولون: إذا اختلف الحكم واتفق السبب لا يحمل المطلق على المقيد، فهؤلاء حملوا المطلق في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار) حملوا هذا المطلق على معنى مقيد بقيد الخيلاء في الحديث الآخر، إذاً: فمن جر إزاره خيلاء فهو المحاسب المعاقب عند هؤلاء.
فنقول: لا.
العلماء لهم قاعدة تقول: إذا اختلف الحكم واتفق السبب لا يحمل المطلق على المقيد، وقد ورد في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار، ومن جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه) فذكرهما في سياق واحد، فالحكم مختلف والسبب واحد، فما السبب؟ السبب هو جر الإزار، وما هو الحكم؟ الحكم الأول: يدخل النار، الحكم الثاني: لا ينظر الله إليه، ولا شك أن إعراض الله عنه أعظم من دخوله النار، فهذه عقوبة مضاعفة.
وهم يحتجون -أيضاً- بواقعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي وأنا أتعهده؟ قال: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء) فقالوا: إذاً العبد إذا لم يفعله خيلاء لا يتحقق في حقه الوعيد؛ اقتداء ًبـ أبي بكر الصديق.
نقول: لا.
أبو بكر الصديق من عرف سيرته محال أن يظن أنه كان يجر إزاره بعد نهي النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما سمي الصديق لتصديقه النبي عليه الصلاة والسلام، فهل تتصورون مثل هذا المثال: أبو بكر الصديق يسمع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن جر الإزار فيجر ثم يعتذر، إن هذا ظن من لا يعرف أبا بكر رضي الله عنه، ويدل على هذا قوله: (إن أحد شقي إزاري)، ومن المعلوم أن الإزار له شقان فيقول: (إن أحد شقي إزاري يسترخي) فهذا يدل على أن أحد شقيه مرفوع فوق الكعبين والشق الآخر هو الذي يسترخي، ومع ذلك يقول: (وأنا أتعهده) أي: بشده إلى أعلى.
إذاً: لماذا كان ذلك؟ روى ابن سعد رحمه الله من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: دخلت على أبي بكر الصديق فإذا هو رجل نحيف خفيف اللحم أبيض، فكان إزاره يسترخي من على حقوه.
ولو قال قائل: هذا الحكم خاص بـ أبي بكر لما أبعد، والدليل على ذلك أن الإمام أحمد رحمه الله روى في مسنده بسند صحيح على شرط البخاري ومسلم من حديث ابن عمر قال: (رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ثوب جديد يتقعقع-يعني: ثوب جديد يحدث أصواتاً وقرقعات مع الحركة- قال: من؟ قلت: أنا عبد الله، قال: إن كنت عبد الله فارفع إزارك، قال: فرفعت، قال: فزد، قال: فرفعت قال: زد، قال: فرفعت إلى نصف الساق، فقال عليه الصلاة والسلام: من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه).
وبعد مدة صغيرة جداً وهم في المجلس جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (من جر إزاره من الخيلاء لم ينظر الله إليه، فقال أبو بكر: يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي وأنا أتعهده؟ قال: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء) ففرق في الحكم بين ابن عمر وبين أبي بكر الصديق، فدل ذلك على أن الحكم خاص بـ أبي بكر.
إذاً: لو كان الحكم عاماً لعم الكل، وما خص به أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وهذا ظاهر من قوله: (إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء) فالإنسان يشتم منها رائحة الخصوصية.
أما الصلاة خلف المسبل فهي صحيحة، وأما الحديث الذي ورد في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يقبل صلاة مسبل إزاره) فهذا حديث منكر له ثلاث علل، والله أعلم.