[فضل عائشة رضي الله عنها على نساء النبي صلى الله عليه وسلم]
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا يغرنكِ أن كانت جارتكِ أوضأ منك)، أي: أجمل وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أنت ليس لك تلك المكانة، فلماذا تقلدينها؟ وعائشة رضي الله عنها كان النبي عليه الصلاة والسلام فعلاً يحتمل منها ما لا يحتمل من غيرها.
وفي بعض الأحاديث أن صفية رضي الله عنها تقريباً غضب عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت إلى عائشة ووهبت لها ليلتها نظير أن تتوسط وتصلح بينها وبين الرسول عليه الصلاة والسلام، قالت لها: وأعطيك الليلة الخاصة بي، بشرط أن تقومي بدور الوسيط وتجعليه يرضى عني، قالت عائشة: (فجئت إلى خماري فبللته ففاح عطره، وجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلست بجانبه) ولم تكن ليلتها، كانت ليلة صفية، فقال: (إليك عني يا عائشة)، أي: ابتعدي عني، قالت: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) هذا رزق جاء من السماء لـ عائشة رضي الله عنها.
نقول هذا الكلام لإخواننا الذين يعيشون في المدينة بعقلية القرويين، صحيح أنهم من أهل المدينة لكنهم يتعاملون بالبداوة، فنقول له: تأسَّ بالنبي عليه الصلاة والسلام، وأرجوك عندما تكلم امرأتك هدأ نفسك، وحكم عقلك، واتق الله فيها، قد يكون كلامها صحيحاً، فأرضها وطيب خاطرها، طالما أنه ليس فيه معصية، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
كان يقول لـ عائشة رضي الله عنها: (إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى)، قالت عائشة: فقلت من أين تعرف ذلك؟ فقال: (أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلتِ: لا ورب إبراهيم)، هل يضره غضبها؟ لا.
لكن غضبه يضرها، ومع ذلك لاحظ التلطُّف، قالت: فقلتُ: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله ما أهجر إلا اسمك) فيحتمل هذا منها عليه الصلاة والسلام ولا يعاقبها، ولا يغضب عليها، فكان لـ عائشة حظوة أيما حظوة، فكان هذا معلوم للكل.
فـ عمر بن الخطاب يوصي ابنته ويقول لها: لا تقلدي عائشة؛ لأنه ليس لك من الحظوة ولا من الجمال ما لها.
وجاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألنه العدل في ابنة أبي قحافة، لأن الناس كانوا يتحرون في هداياهم ليلة عائشة، يتوددون إلى النبي في بيت أحب نسائه.
فالصحابة يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب عائشة، ويريدون أن يتقربوا إليه، فعندما يأتي بهدية يحبسها عنده حتى ليلة عائشة ويرسل الهدية، فتجمع عند عائشة رضي الله عنها هدايا كثيرة، فأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يرين هدايا من كل شكل ليس عندهم شيء منها، فيردن من الناس القسمة على جميع نسائه، فأرسلن فاطمة رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم تخبره عن نسائه أنهن يردن أن يقسموا، تقول عائشة رضي الله عنها: (فدخلت فاطمة لا تخطئ مشيتها مشية النبي صلى الله عليه وسلم)، تمشي مثله (والنبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة في لحاف واحد، فقال: أهلاً بابنتي، فأجلسها، ثم قال لها: إن أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة -التي هي عائشة - قال: (أي بنية! ألست تحبين ما أحب؟ قالت: أجل قال: فأحبي هذه)، أي: أنهي الموضوع ولا تراجعيني، كان أزواج النبي مجتمعات في بيت إحداهن، بانتظار الرد.
فجاءت فاطمة فدخلت، فقالت: (والله لا أراجعه فيها أبداً)، فلم ييئسن وأرسلن زينب، أغلى واحدة من أزواجه بعد عائشة تقول: (إن زينب هي التي كانت تساميني في المنزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم)، فجاءت زينب، فدخلت تقول: -وهو في لحافي- فتكلمت بكلام شديد وأضجعت، أي: قالت كلاماً شديداً، والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت، قالت عائشة رضي الله عنها: (فنظرت إليه هل يكره أن أنتصر؟) انظر إلى وفاء الزوجة، ليست من ذلك النوع الذي إذا علمت أن زوجها يغضب من شيء، فتأتي ذلك الشيء، لماذا هكذا، تغضبيه وتتعبيه وتفعلي الشيء الذي يغضبه؟ هذا ليس من الوفاء.
فـ عائشة تستطيع أن ترد مباشرة، لكن نظرت في وجهه أولاً، هل أسارير وجهه تنطق بعدم الرضا لو تكلمت أو بالرضا؟ فهمت من العشرة أنه لا يكره أن ترد عليها، قالت: فقلت لها فأفحمتها، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنها ابنة أبي بكر، وضحك وتبسّم، وانتهى الموضوع.
فقال عمر بن الخطاب لابنته حفصة: (لا تسألي النبي صلى الله عليه وسلم ولا تستكثريه، وسليني ما بدا لك)، والإمام البخاري رحمه الله بوب في كتاب النكاح بهذه الجملة على الحديث كله، فقال: (باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها).
نحن نوصي الآباء بأن يحذوا حذو عمر، لا أن يقوم خصام بين ابنته وبين زوجها فيمسك زوجها ويخاصمه لماذا؟ يا أخي! حافظ على قوامة الرجل إذا أردت أن تعاتبه فاختل به، وقل له: يا فلان هذا لا يجوز، أنت أخذت ابنتي بكلمة الله، واستحللتها بأمانة الله، فلا يحل لك أن تفعل كذا وكذا وكذا؛ أما أن تأتي وتعاتب الرجل أمام المرأة فهذا ليس من الحكمة في شيء، لماذا؟ لأن هذا يضعف من قوامة الرجل على المرأة، فينبغي على الرجل أن يعين ابنته على البر بزوجها، وعلى طاعة زوجها.
كما فعل عمر رضي الله عنه قال: (يا بنيتي! لا تسأليه شيئاً، ولا تستكثريه، وسليني ما بدا لك)، قال عمر رضي الله عنه: (وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لغزونا) لاحظ الكناية الجميلة هذه، (تنعل الخيل)، تلبس الخيل حذاء، ومعناها: أنها تستعد، كما أن الشخص يلبس حذاءه ليمشي، (فتنعل الخيل لغزونا) أي: تعد الخيل لغزو المدينة، وكان ملك غسان هو آخر ملك من ملوك الروم يهدد المدينة، فكان الصحابة على أهبة الاستعداد.