للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيف مكن للصحابة ولم يمكن لنا؟]

الآن في باكستان عندما قالوا: إنهم أجروا ست تجارب نووية، خرج الناس يضربون بالرصاص في الشوارع فرحين، لا يصدقون أنفسهم، وبعض المسلمين انتشوا وشعروا بشيء من العز، رغم أن هذا لا قيمة له في الحقيقة، كل هذا ذر للرماد في العيون.

أمة ضعيفة مستضعفة، تعيش على هامش الدنيا.

قال لي أحد الإخوة: إن أهم خطر يواجهنا الآن هم اليهود، يجب أن نعلم أولادنا ورجالنا ونساءنا طبيعة اليهود.

فقلت لمحدثي: وما الفائدة؟! عرفناهم أنهم جبناء، كما قال الله عز وجل، وأنهم لا يحبون بعضهم، بأسهم بينهم شديد؛ لكن بعد كل هذا أنت تعرِّف مَنْ؟ تعرِّف رجالاً لم يحققوا عبودية الله في أنفسهم وأولادهم؟! ما هي الفائدة؟! إن حقيقة دائنا أننا لسنا عبيداً لله كما أمر الله، في بيوتنا كثيرٌ من المخالفات ليس للدولة فيها دخل، لماذا لا تزيل هذا التلفاز من بيتك؟! لماذا لا تحجب امرأتك؟! لماذا لا تحجب ابنتك؟! لماذا تصلي في البيت أنت وأولادك والأذان على رأسك؟! مخالفات كثيرة يجب على ولي الأمر ورب البيت أن يزيلها ومع ذلك لا يزيلها! هذا الذي ما نزع خاتم الذهب من يده رغم سماعه للكلام، في مقابله صحابي آخر روى قصته الإمام مسلم في صحيحه، أنه كان يلبس خاتم الذهب، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فنزع منه الخاتم، وقال: (أيعمد أحدكم على جمرةٍ من نارٍ فيضعها في يده، فلما هم الصحابي أن يقوم من مجلسه وقد ترك الخاتم على الأرض، قال له بعضُ الصحابة: خُذ خاتمك فانتفع به، فقال: ما كنت لآخذه وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم) حتى لا ينتفع به، ولا يأخذه عنده، هذا هو الفرق.

فالعبادة تكون بالحب، وهذا الحب ثمرته الإقبال على الله، فرق كبيرٌ بين هذا وبين الذي يعبد الله عز وجل كالموظف الذي يذهب إلى الديوان ليوقع.

فالذي يحب الله تبارك وتعالى يستعذب اللوم فيه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤].

ويرحم الله أحد الشعراء المجيدين لما قال: وقف الهوى فيَّ حيث أنت فليس لي متأخرٌ عنه ولا مُتَقَدَّمُ وأهنتني فأهنتُ نفسي جاهداً ما مَن يهون عليك ممن يكرم أشبهت أعدائي فصرت أحبهم إن كان حظي منك حظي منهم أجد الملامة في هواك لذيذةً حباً لذكرك فليلمني اللوَّمُ وقال الآخر: يخط الشوقُ شخصك في ضميري على بعد التزاور خط زور ويوهن لي طول الفكر حتى كأنك عند تفكيري سميري فلا تبعد فإنك نور عيني إذا ما غبت لم تظفر بنوري إذا ما كنت مسروراً لهجري فإني مِن سرورك في سرور ويرحم الله أبا الطيب المتنبي حيث يقول أيضاً في هذا المعنى: يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرحٍ إذا أرضاكم ألم طالما أن هذا يرضيك رب فزده؛ لأن المسارعة إلى مرضاة الله تبارك وتعالى من ثمرتها الصبر، كما قال الله عز وجل لموسى عليه السلام: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:٨٣ - ٨٤] كلما عجلتَ إلى الله عز وجل رضي عنك.