للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نماذج من تعظيم الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم]

مر عبد الله بن المغفل رضي الله عنه بقريب له يخذف بالحصى، فنهاه وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال: (إنها لا تصيد صيداً ولا تنكأ عدواً، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين) حين ترمي حصاة أنت لا تكيد بها عدواً ولا تصيد صيداً، لكن إذا وقعت في عين رجل فقأتها، وإذا وقعت على سن رجل كسرتها، قال: فعاد فقال: (أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ثم تخذف لا أكملك أبداً).

بيوتنا مليئة بالمخالفات، أركان الإسلام في بعض بيوتنا غير موجودة، الولد لا يصلي، ومع ذلك الوالد لا يمكن أن يأكل حتى ينادي الولد ليأكل معه، مع أنه لا يصلي، ولا يسأله: لمَ لم تصل؟ فتراه يؤاكله ويشاربه كأن لم يكن هناك شيء.

الصحابة لا نظير لهم في الاتباع، كما قال الشاطبي رحمه الله: كانوا إذا تلقوا الأوامر سارعوا إلى تنفيذها، ولا يسأل أحدهم: أهذا واجب أم مستحب؟ إنما إذا سمع الأمر بادر إلى الامتثال؛ لأنهم فقهوا القرآن، قال الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥]، فنفى ربنا تبارك وتعالى الإيمان عن الذي يبلغه كلام النبي عليه الصلاة والسلام ولا يحكِّمه، فهذا ليس بمؤمن، نفى الله عنه الإيمان.

ونزلت هذه الآية في واقعة حدثت بين اثنين من المحبين للنبي عليه الصلاة والسلام، بين الزبير بن العوام ورجل من الأنصار، وكان لهما أرض، وكانت أرض الزبير أعلى من أرض الأنصاري، فأراد الزبير أن يسقي أرضه، فقال له الأنصاري: لا، حتى أسقي أرضي.

قال له: أرضك في الأسفل، وأرضي في الأعلى، وأنا أولى بأن أسقي قبلك.

فأبى، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال للزبير بن العوام: (اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك) هذا هو مقتضى العدل: أن يسقي الرجل التي أرضه في العالي؛ حتى يضمن وصول الماء إليها، (اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك، فقال الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم: أن كان ابن عمتك! -أنت حكمت له لأنه ابن عمتك- فتلون وجه النبي عليه الصلاة والسلام ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء -لا ترسله إليه- قال الزبير: فأحسب أن هذه الآية نزلت فينا: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥]).

فقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أنا أمنة لأصحابي) فإنه في حال وجوده عليه الصلاة والسلام لم تظهر البدع ولم يظهر الكفر بعد الإسلام، فبمجرد أن مات أتى أصحابه ما يوعدون، وارتدت العرب، ودخل الصحابة بهذا الدين البكر في قتال عنيف، وقتل خلق من الصحابة في القتال مع مسيلمة الكذاب، ثم استتب الأمر، وما زال الصحابة يموتون والفتن تطل برأسها حتى قتل عمر رضي الله عنه، وانكسر الباب الذي لم يغلق حتى قيام الساعة، وقتل عثمان، وقتل علي بن أبي طالب، ثلاثة من الراشدين يقتلون! وادلهمت الخطوب والفتن، وأطلت الفتن برءوسها، وظهرت بدعة القدر في آخر عهد الصحابة، وما زالت البدع تأتي كالسيل المنهمر، فأتى الأمة ما يوعدون، أتى الأمة ما يوعدون بموت الصحابة رضي الله عنهم، وكان البلاء -على الرغم من عظمه- خفيفاً، تعرفون لماذا؟ لكثرة العلماء الذين ردوا على هؤلاء المبتدعة، وكان لهم في نفوس العوام جلالة وكان لهم قدر، فإذا تكلم العالم الرباني استمعت له العوام، وأعطت قلبها له، لكن اشتدت علينا المحن حين جاءت جيوش المبتدعة ولم يكن عندنا فرسان يقاومون هؤلاء؛ فعظمت علينا المحنة من الجهتين: كثرة البدع، وقلة العلماء الرادين عليها.

لذلك موت العالم ثلمة في جدار الإسلام، ووجود العالم ضرورة، لو أن طاعوناً فشا في بلد لا يوجد فيه طبيب لأحس الناس بفقد الطبيب، فنحن نهيب بالجماهير أن تجعل الإسلام قضية، ألا يجعلوا الإسلام وظيفة، شيء ورثوه عن آبائهم، ينبغي أن يكون الإسلام قضية يطرح في البيوت، وأن يناقش بين الرجل وامرأته وأولاده مثلما يناقش رغيف الخبز، فإن دين الله أعز.

الحرب على الإسلام ورموزه في الجرائد على أشدها، وقلت لكم: إنهم طعنوا على الله عز وجل في الشهر الماضي لما قالوا: إن آلة الاستنساخ أعظم من ميلاد المسيح، أي أن ما فعله البشر أعظم مما فعله الله عز وجل! وصار خلق الله عند هؤلاء الزنادقة المارقة أمراً عادياً جداً.

فنقول لهم: قد أخذتم خلية صنعها الله عز وجل، فهل تقدرون على خلق الخلية؟! سلمنا أنكم فعلتم ذلك فمن أين أخذتم الخلية الحية؟! ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة ذو نعمة باهرة وقدرة مقتدرة أيها الإخوة الكرام: معرفة حياة الصحابة صارت ضرورة، ومن نعمة الله تبارك وتعالى أن جاء بجهاد الدفع، قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة:٢٥١]، وإذا أراد الله شيئاً هيأ أسبابه.

قيل لـ عائشة رضي الله عنها: ألا تنظرين إلى الذين يسبون أبا بكر وعمر؟ قالت: وما يعجبكم من ذلك؟! قطع الله عنهم العمل فأحب أن لا يقطع عنهم الأجر، وما يعجبكم من ذلك؟! المواقف الجسام التي مرت على هؤلاء الصحابة تدلك على مدى عقلهم وحلمهم وعلمهم بالله تبارك وتعالى، هل في هذه الأمة رجل يزن سعد بن معاذ؟! وسعد ليس بأفضل الصحابة، إنما هو من أفضلهم، رجل يوم مات اهتز له عرش الرحمن، فما قدر هذا الرجل؟! عبد لله عز وجل يهتز العرش له يوم يموت!! السماوات والأرض بالنسبة للعرش كحلقة في فلاة! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] يهتز هذا العرش لموت عبد! سبحان من لا يعلم مقدار خلقه إلا هو! إن هذه الأمة مليئة بالعظماء.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب) المسلمون نجوا من هذا المقت، أما الصحابة فتفردوا بالرضوان، وكان لهم من المناقب ما لم يكن لصحابة نبي أبداً، فيأتي هؤلاء الأنذال ويتكلمون عليهم ويلمزونهم.