[سوء اختيار الزوجة (المربية للأولاد)]
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة الكرام! لماذا يتقاتل الناس، ولماذا تنشب الحروب في كل مكان؟ إن هذا القتال الدائر بين الناس اليوم قديم وليس في هذا العصر فحسب وإنما هو قديم من لدن آدم عليه السلام، والمقصود منه هو السعي إلى التمكين.
إن هذا النظام العالمي الجديد، وهذه التكتلات الاقتصادية بين الدول، المقصود منها التمكين؛ فالتمكين هو الغاية المنشودة خلف كل صراع، وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن أولى الناس بالتمكين هم المسلمون.
إن الله تبارك وتعالى لما ذكر التمكين في سورة القصص ذكر ميلاد موسى عليه السلام.
إذاً: هناك رابطة قوية بين التمكين وبين صلاح الأولاد، بل لا يكون تمكين إلا بصلاح الأولاد؛ لكن قبل أن نتكلم على الولد نتكلم عن أصل الولد، نتكلم عن أمه وأبيه.
الأم هي قاعدة البناء العريض؛ ولذلك كل المؤتمرات التي تعقد باسم البيئة والتنمية المقصود منها: إفساد المرأة، وقد اشتدت الضراوة على النقاب؛ لأن النقاب عاد بعد غياب استمر لخمسين عاماً فقط، فأصابهم بالدوار وخلط أوراقهم.
إن المسرحية الغربية التي ألفوها سنة (١٩١٩) وحرقوا فيها النقاب احتجاجاً على وجود الإنجليز في مصر، وكان هذا في ميدان الإسماعيلية المتمثل في ميدان التحرير ويشير اسمه إلى تحرير المرأة وحرق النقاب، والذي ينبغي أن يعلم أن النقاب لم يختف بمجرد أن حرق في الميدان؛ لكنه ظل نحو عشر سنوات أو خمس عشرة سنة حتى تحلل الناس منه.
أي أن غياب النقاب عن الساحة كان في حدود سنة (١٩٣٥) ثم رجع سنة (١٩٨٠) أي في حدود خمسين سنة؛ فهم لم يتصوروا أن تنهار مكاسبهم بهذه السرعة، وخمسين عاماً في أعمار الأمم لا تشكل شيئاً.
فلما رجع الحجاب مرة أخرى ورأوا أن مكاسبهم بدأت تضيع اشتدت الحملة والضراوة، حتى أن المؤتمرات صارت تعقد بسفور، ولم يلجئوا إلى التلميح كما كانوا من قبل.
إن وراء كل رجل عظيم أم -ولا أقول امرأة- بل خلف كل رجل عظيم أم.
أيها المقحم عن الزواج! إن غاية المنى في الدنيا أن تظفر بالمرأة الصالحة، واسألوا الذين لم يوفقوا في حياتهم الزوجية هل تشعرون بنعيم؟ فكلمة إجماع عندهم (لا).
لا يشعر بنعيم الولد ولا الصحة ولا الجاه ولا المال، بسبب فساد المرأة، والرجل التعيس في حياته يحسد كل الناس، ويظن أنهم سعداء وهو الوحيد الشقي، فالمرأة الفاسدة لا تشعر معها بطعم الحياة؛ وهذه المرأة لا يرجى من ورائها خير؟ إن الجيل التمكين، لابد أن يتلاءم فيه الرجل مع المرأة، وأن تعرف المرأة الغاية في خلقها وما هو دورها، وأن تقوم بواجبها حق القيام، وكذلك الأب، فهما أساس صلاح الأجيال.
وإن الإسلام حفظ للمرأة كرامتها، فجعلها مطلوبة لا طالبة؛ فالرجل هو الذي يدخل ويتقدم ويخطب وليس المرأة، حفاظاً عليها وعلى كرامتها؛ فالمرأة لها قيمة ما دامت مطلوبة؛ فإذا صارت المرأة طالبة قلت قيمتها.
ومع ذلك فقد أباح لها الإسلام أن تعرض نفسها على الرجل الصالح؛ لأنه غاية المنى بالنسبة لها -مع أن هذا في عرف الناس قبيح- الرجل الصالح، فيجوز للمرأة أن تعرض نفسها على الرجل الصالح إذا ترجحت المصلحة وأمن الضرر، أما لو تزاحمت المضار فنختار أخف الضررين، وأخف الضررين هنا أن المرأة تتنازل وتبدو أنها هي التي تخطب الرجل، وصحيح أن قليلاً من كرامتها سيذهب لكن لا مانع؛ لأن تحصيل الرجل الصالح فيه من الفوائد ما لا يوازيه مثل هذا التمايز، مع أن هذا قبيح في عرف الحرائر.
روى ثابت البناني رحمه الله حديثاً عن أنس رواه البخاري في صحيحه يقول: (كنت جالساً عند أنس؛ فقال أنس رضي الله عنه: جاءت امرأة فعرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله! وهبت نفسي لك، فقالت ابنة أنس: واسوأتاه! ما أقل حياءها، أتعرض الحرة نفسها؟! فقال أنس: هي خير منك، عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم).
لقد استنبط الإمام البخاري رحمه الله من هذا الحديث جواز أن تعرض أي امرأة نفسها، مع أن هذه المرأة وهبت نفسها، وهذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٥٠].
إذاً: للنساء جميعاً أن يعرضنَ -لا يهبن- أنفسهن، لدلالة الآية، وامرأة العزيز عيرها نسوة مصر بسبب مراودتها ليوسف عليه السلام: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا} [يوسف:٣٠] يا للعار ما أقل حياءها، هي التي تراود، الذي يراود هو الطالب لا المطلوب {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ} [القمر:٣٧] هم الذين يطلبون.
فلا بأس أن تعرض المرأة نفسها على الرجل الصالح فقد أُبيح لها ذلك، ثم على الصالحين أن يعرضوا بناتهم، والمثل عندنا يقول: (اخطب لبنتك ولا تخطب لابنك).
كذلك قال الرجل الصالح صاحب مدين: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص:٢٧] وبعض العلماء يقول: أنه شعيب عليه السلام، لكن الظاهر أنه ليس شعيباً عليه السلام؛ لأن شعيباً كان بين موسى وإبراهيم عليهما السلام، وشعيب قال لقومه: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود:٨٩] ولوط كان في زمان إبراهيم، وبين موسى وإبراهيم عليهما السلام مدة طويلة؛ فالراجح أنه ليس شعيب عليه السلام، لكنه رجل صالح، فهذا الرجل عرض ابنته على موسى عليه السلام {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص:٢٧].
وانظر إلى قول الله عز وجل: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:٢٥] فلو بدأت القراءة من قوله تبارك وتعالى: {عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:٢٥] لأعطاك معنى جميلاً {عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص:٢٥] إذا كانت جاءت تمشي على استحياء؛ فلا شك أن القول يكون على استحياء أكثر، فعرضت البنت العاقلة على أبيها أن يستأجره، قال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:٢٦].
هي هذه مقومات الزوج الصالح، القوي الذي يستر امرأته، ولا يعرضها للعمل، ولا يضيرها، ولا تبتذل بين الرجال، وهو الذي، يدافع عن عرضه، ثم هو أمين عليها، لما ذهب إلى أبيها تزوجها بكلمة الله، واستحلها بعناية الله؛ فهو أمين عليها، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لا يظلمها، فتفرست فيه المرأة ذلك؛ لأنها رأت منه خصلتين كما يقول أهل التفسير: الخصلة الأولى: قوة جسدية لما سقى لهما، وكفاهما هذا الزحام فهذا دلالة قوته.
والخصلة الثانية: أمانته حيث أنه مشى أمامها ولم يمش خلفها حتى لا يرمقها.
وقد ذكر أهل التفسير أنها كانت تشير له عن طريق الحصى، إذا رمت الحصى يميناً انحرف يميناً، وأذا رمت شمالاً انحرف شمالاً؛ فعلمت أن هذا رجل نبيل؛ فتفرست فيه هاتين الصفتين؛ فقالت لأبيها ذلك: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:٢٦].
فهذا الرجل الصالح عرض ابنته ولم يكن هذا إغراءً عليه ولا على ابنته، بل كان شرفاً له، لأن الذي تزوج ابنته نبي الله موسى عليه السلام.
وقد سنها لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ففي صحيح البخاري وغيره: (لما تأيّمت حفصة بنت عمر بسبب موت زوجها، طفق عمر يعرضها، فعرضها على عثمان قال: هل لك في حفصة بنت عمر؟ قال: أنظرني ثلاثاً، فبعد ثلاث قال: قد بدا لي أن لا أتزوج في يومي هذا.
قال: فقابلت أبا بكر رضي الله عنه، فقلت له: هل لك في حفصة بنت عمر؟ فلم يرجع إلي بشيء فكنت عليه أوجد مني على عثمان، ثم لبثت ليالي فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحتها إياه، فقابلني أبو بكر: فقال لي: لعلك وجدت علي إذ لم أرجع إليك بشيء! قلت: نعم.
قال: والله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها، وما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها).
ولم يكن إبراءً بـ عمر لو تزوجها عثمان نعم الزوج، لو تزوجها أبو بكر نعم الزوج، ثم كل هذا في سبيل البحث عن الرجل الصالح.
روى أبو نعيم في كتاب ال