للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحرص واستغلال الأوقات في الطلب]

قال: (وحرص): الحرص هو الوقت، فهو رأس مال طالب العلم.

وبكل أسف تجد كثيراً من طلبة العلم يقضون الليالي الطويلة في المكتبة من بعد صلاة العشاء إلى أذان الفجر، ولو سألته: ماذا حصلت؟ لما استطاع أن يجيب عليك؛ لأنه يقرأ ورقتين في المحلى ثم يغلقه، وورقتين من كتاب المغني ويغلقه وهكذا؛ صحيح أنه يقرأ كل يوم، لكنه ما حصل شيئاً مذكوراً، وقد يقضي عشر ساعات أو خمس ساعات في نقاش عن مسألة واحدة.

فمثلاً: قبل خمس عشرة سنة كانت هناك مسألة مشهورة بين طلاب العلم، وكانت هذه المسألة تعتبر جواز المرور إلى العلم، فالذي لا يعرفها يعتبر جاهلاً، وهي مسألة نزول المصلي بعد القيام من الركوع إلى السجود، بماذا ينزل أولاً إلى الأرض بيديه أم بركبتيه؟ وقد دفعني ذلك إلى تضييع شهر كامل أبحث عن كلام العلماء، وعن التصحيح والتضعيف، حتى أخرجت رسالة في هذه المسألة.

فالوقت هو العمر، وانظر إلى العلماء الذين حصلوا كيف كانوا، فهذا ابن عقيل الحنبلي له كتاب يقع في ثمانمائة مجلد، وقد كان ابن عقيل رجلاً متزوجاً، ولديه أولاد، وهو يريد أن يوفر لهم لقمة العيش، وحاجياتهم وحاجيات زوجته، وكذلك كان يتصدر للإفتاء، ومع ذلك صنف كتباً كثيرة، وهذا الكتاب واحد منها، واسمه: كتاب الفنون.

وقد طبع منه مجلدان.

فكيف استطاع ابن عقيل أن يكتب كل هذه الكتب؟ يقول: إنني أقصر بجهدي أوقات أكلي، حتى أختار سفّ الكعك وتحسِّيه بالماء على الخبز؛ لأجل ما بينهما من التفاوت في المضغ فالرجل يراعي ويراقب الوقت الذي ما بين مضغ الخبز وسفَّ الكعك، يريد أن يستفيد من هذا الوقت لقد كان يضيع على نفسه متعة الطعام.

والخطيب البغدادي كان يمشي وهو يطالع جزءاً.

يقول: ابن أبي حاتم كنت أقرأ على أبي وهو جالس، وأقرأ عليه وهو قائم، وأقرأ عليه وهو يمشي، وأقرأ عليه وهو في الخلاء.

ويقول: دخلنا مصر فظللنا سبعة أشهر ما ذقنا فيها مرقاً، فذهبنا ثلة في نهارنا ندور على الشيوخ، فذهبنا إلى بيت بعض الشيوخ فقالوا: إنه مريض، فقلنا: فرصة لنأكل، فدخلنا السوق فاشترينا سمكة، فلما وصلنا إلى البيت حان موعد درس شيخ آخر، فتركناها، وانصرفنا، ومكثنا ندور على الشيوخ ثلاثة أيام حتى خشينا أن تفسد، فأكلناها نيئة!! لم يتفرغوا لشوائها.