للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصنف الثاني: بائع نفسه فمعتقها]

ثم ذكر تبارك وتعالى الصنف النفيس، الذين هم أولى الناس بهذه الحياة، فبدأها بذكر خصلة جامعة، وهي التي لا يكاد المرء ينتفع بخصلة من خصال الخير إلا بها، فقال عز وجل: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:٦٣] (وعباد الرحمن) ولم يقل: وعباد الله؛ لأن صفة الرحمة مدعاة لحسن الخلق، (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً) يمشي بوقار وسكينة، لا يصعر خده للناس، ولا يمشي في الأرض مرحاً، (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) أي: قولاً سلاماً، وهذه الخصلة هي جماع كل خير، وكل الخصال بعد ذلك تنبني عليها؛ ولذلك بدأ الله بها، وهي جماع حسن الخلق.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) لماذا؟ لأن في الآخرة تنصب الموازين، والنبي صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه يوماً؛ فقال: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: يا رسول الله! المفلس فينا من لا دينار له ولا درهم.

قال: لا المفلس من أتى يوم القيامة بصلاة وزكاة وصدقة -وذكر بعض أصناف الخير- كأمثال الجبال يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، فطرح في النار).

إذاً: هذا رجل معه صيام وقيام، وصدقة وحج، وزكاة فدخل النار؛ لكثرة خصومه وظلمه لهم، فإن استطعت أن ترحل إلى الله ولا خصم لك فافعل، فربنا تبارك وتعالى قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:٤٠]، وقال عز وجل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:٤٧].

فالرجل إن كان حسن الخلق فإنه يلقى الله عز وجل بلا خصوم، وهذا هو سر إدراكه لدرجة الصائم القائم: أنه يلقى الله بلا خصوم، حسناته موقوفة عليه.