حينئذ قام سعد بن معاذ سيد الأوس، الذي اهتز له عرش الرحمن يوم مات، فقال:(يا رسول الله! أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك).
انظر إلى التحرز الجميل، ويا ليت إخواننا يتأدبون بهذا الأدب! قبل أن يأتي الإسلام كانت هناك حروب طاحنة بين الأوس والخزرج، فمن الله عليهم بالإسلام، وصاروا إخوة متحابين، لكن بقيت بقايا في النفوس، فـ سعد بن معاذ تحرز لنفسه وراعى التاريخ القديم -تاريخ العداوات والحروب- فأخرج هذه الجملة الدقيقة، قال: إن كان من الأوس ضربت عنقه، ولم يستثن ولم يتحرز؛ لأنه سيدهم، وإن كان من إخواننا من الخزرج، فقدم لفظ (الأخوة) ولم يقل: ضربت عنقه؛ لأنه خاف من حدوث فتنة، وبرغم لطافة العبارة فقد حدث الذي خاف منه.
فلم ترض هذه الكلمة سعد بن عبادة زعيم الخزرج؛ لأن أراد أن ينال شرف الدفاع عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فـ سعد بن معاذ تكلم عن الأوس، فيريد هو أن يتكلم عن الخزرج ويقول أيضاً: إن كان من الخزرج ضربت عنقه، فساءه أن سعد بن معاذ يتكلم عن الخزرج وهو حي.