[التزام الأحكام الشرعية لا يأتي إلا بالخير]
إن الله عز وجل وجهك إذا أشكل عليك أمر أن تقول: ربِّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين؛ لأن الله إذا وكل العبد إلى نفسه طرفة عينٍ أهلكه.
ودعاء الاستخارة عندما تتأمل ألفاظه تدرك هذا الأمر، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -وتسمي حاجتك-) تريد أن تتزوج، أو تنقل مسكنك، أو تغير الوظيفة، أو تبدأ مشروعاً، أنت لا تدري أهو خيرٌ لك أم لا؛ تدعو هذا الدعاء بعد صلاة ركعتين من غير الفريضة.
(اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -وتسمي حاجتك- خير لي في ديني ودنياي، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي، ويسره لي.
وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاصرفني عنه، واصرفه عني، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به).
انظر إلى الكلام! لأنه قد يقدر لك الخير وأنت لا ترضى به فترفضه؛ فتحرم ذلك الخير.
فعليك عندما تدعو الله تبارك وتعالى أن لا تدعوه بالذي تريد؛ لأن ذلك الأمر قد يكون وبالاً عليك وأنت لا تدري، فلا تقل: يا رب! أريد أن أتزوج فلانة.
لكن قل: يا رب! إن كانت فلانة خيراً لي في ديني ودنياي فزوجنيها، ولا تقل: أريد الوظيفة الفلانية، أو المسكن الفلاني، لكن قل: إن كان ذلك الأمر خيراً؛ فإن ذلك من أدب الدعاء، وما ألطف دعاء أيوب عليه السلام، قال الله عز وجل: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء:٨٣] لم يقل: فاشفني، وإنما قال: {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:٨٣] إن كنت ترى الرحمة في استمرار بلائي فزده، وإن كنت ترى الرحمة أن ترفعه عني فأنت أرحم الراحمين، فانظر كيف لم يطلب العافية لنفسه، لم يقل: مسني الضر فاشفني؛ لأنه لا يدري، أيهما أصلح له: المرض أو الصحة، والعبد المريض لا يدري بعد أن يصح أيكون مجرماً في الأرض أم لا؟ ربما مرض حتى يعجزه الله عن معصية لو كان صحيحاً لأتاها؛ فرحمه الله بأن ابتلاه، والله أرأف بالناس من الأم بولدها، فانظر إلى أدب الدعاء، قال: {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:٨٣].
فلذلك إذا كانت هناك امرأة يريد زوجها أن يتزوج عليها، فلا تتحانق، ولا تلج باب السفه، ولكن تلجأ إلى عتبة ربها تبارك وتعالى، وتمرغ وجهها بين يدي عبوديته وتدعو وتقول: إذا كان هذا الزواج الثاني يزيد في طاعتي، ويقربني من ربي، ويعف هذه الأخت؛ فاقدره له ويسره له، وإن كان هذا الزواج يضيع إيماني، ويقلبني رأساً على عقب، ويعكر حياتي؛ فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر الخير حيث كان.
هذا هو دأب الصالحات المؤمنات، وليس أول ما تعلم أن زوجها سيتزوج عليها ترفع راية العصيان، هي لا تدري هل الزواج الثاني خيرٌ لها أم لا، ليس كل أمر يُرى شراً يكون في الأصل شراً، بل قد يكون خيراً، والله تبارك وتعالى أدب الصحابة في حديث الإفك، فقال: {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور:١١]، وقال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢١٦]، فسلم للذي يعلم وادعه متضرع القلب، وصف قدميك بين يديه تبارك وتعالى، واضرع إليه ضراعة الذليل أن يقدر لك الخير.
هذا هو سلوك النساء الصالحات المؤمنات، ولا شك أن جميع النساء عندهن غيرة، لكن الغيرة لها حدود، والغيرة إذا طغت على حدود الله عز وجل لا تكون محمودة، فالسيدة عائشة رضي الله عنها كانت تغار، وكانت تقول: (ما غرت على امرأة قط غيرتي على خديجة لكثرة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها) فغيرة النساء موجودة، والرجل الصالح العادل هو الذي يقتل هذه الغيرة بعدله وإقباله على نسائه، لكن لا يجوز لها أن تتخطى الحدود الشرعية؛ فتظلم بهذه الغيرة.
فنسأل الله تبارك وتعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر.
اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
رب آت نفوسنا تقواها، وزكاها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.