[مقارنة بين جيل الصحابة وبين جيلنا في الثبات على الدين]
تلقيت نبأً مفزعاً مروعاً، هذا النبأ عن سجين مصري، وأنا لن أتكلم هل هو ظالم أم مظلوم، جان أم مجني عليه؛ فهذا لا يهمنا.
هذا السجين أرسل رسالة إلى سعادة السفير الأمريكي، وذكر فيها أنه متخصص في فن نادر وفي علم نادر، وأن أمه مريضة تحتاج إلى كلية، وليس معه ثمن الكلية، فجاء إلى هذا البلد ليحصل على الثمن، قال: وبينما أنا في الطريق، اعتقلوني وأودعوني السجن بلا تحقيق.
ثم قال هذا السجين المصري: سعادة السفير! أريد أن أتنصر لكي يخلصني يسوع الرب مما أنا فيه، ولكي أشرح للعالم الأكذوبة العظيمة التي هي الإسلام! مدة سجنه إلى تاريخ كتابة الرسالة: خمسة وثلاثون يوماً فقط، لم يمض على سجنه إلا خمسة وثلاثون يوماً فقط، ويريد أن يتنصر، وهذا الرجل -كما يقول عن نفسه- متخصص في فن نادر، لكنه جاهل بجزئيات الإسلام، الأمية الدينية منتشرة في صفوف الدكاترة والأساتذة الكبار فضلاً عمن دونهم، خمسة وثلاثون يوماً فقط في السجن، ومن أجل أن يخرج منه يعرض عليهم الدخول في النصرانية مقابل الخروج.
لو أن هذا الرجل لبث خمسة وثلاثين ثانية في سجِّين لم يتحمل، إنه يريد بتنصره أن يسجن نفسه سجناً مؤبداً، ويظن أنه بكفره وتنصره يستطيع أن يتحمل النار، هو بذلك يريد أن يفر من سجن في الدنيا، مع أنه يأكل فيه ويشرب وينام، هذا النمط له نظائر كثيرة.
إذاً: من أولى بالذم؟ من أولى أن يتكلم عليه؟ أهؤلاء الذين باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل؟ أم الصحابة الذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله سبحانه وتعالى، وضحوا من أجل إعزاز دين الله عز وجل؟! فهذا كعب بن مالك من أشراف الصحابة، ولكن هناك من هو أشرف وأعظم منه: كـ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وتمام العشرة، فهذا موقف كعب بن مالك من رسالة ملك غسان، لقد قام بإحراقها، وهذا يرضى بالكفر! إن أخطر شيءٍ يهدد العبد المعصية، وعلى رأس المعاصي جميعاً الكفر، قال الله عز وجل: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤]، لكن هناك سيئة واحدة تذهب كل الحسنات وهي الشرك.
دخل إبليس النار لأنه خالف أمراً واحداً، وخرج آدم من الجنة لأنه عصى وخالف أمراً واحداً، وتقطع يد السارق في ثلاثة دراهم، ويرجم الرجل المحصن إذا توارت حشفته في فرج امرأة لا تحل له، فما يؤمنك أن تدخل النار بذنب واحد؟! ما يؤمنك لاسيما إن كان على رأس هذه الذنوب الشرك؟! هذا نمط ونموذج.
وفي الجامعة مدرس يسب أبا هريرة، ويكتب على صفحات المجلات تكذيباً لـ أبي هريرة وطعناً عليه، وهذا الرجل، زال في منصبه، ويدرس الطلبة! تُكَذِّبُ الصحابة ونحن أحياء، وفينا عين تطرف! كل رجل يرجع إلى أهله وإلى أولاده، يغرس فيهم حب الصحابة، وأن الدفاع عن هذا الجيل فريضة؛ لأن حب الصحابه فريضة، واعلم أنك لست في مأمن، لست في مأمن.
لقد قرأت في مذكرات الشيخ علي الطنطاوي أحد مشايخ سوريا: يقول في سنة ثمانية وأربعين حين دخلت إسرائيل القدس، ومررنا على التجار نجمع الأموال لشراء السلاح، قال: فذهبت إلى تاجر كبير، وعرضت عليه القضية، قلت له: نحتاج إلى مال فأبى، وقال: أنا مديون، أنا ما لي وما للسياسة، ما لي وما للسلاح.
بعد سنتين أو ثلاث، قال الشيخ الطنطاوي: فكنت أوزع على اللاجئين في الخيام، فوقعت عيني على رجل لما رآني توارى، فلمحت وجهه، فكأني رأيته قبل ذلك، فذهبت خلفه، فلما رأيته عرفته، إنه ذلك التاجر الذي أبى أن يدفع المال لشراء السلاح، فلما واجهته بكى وقال لي: يا ليتني أعطيتك كل مالي، لقد صار هذا التاجر لاجئاً، خسر تجارته وصار لاجئاً، ماذا فعل بها؟ ماذا عمل؟ لا تتصوروا أنه إذا طعن في الصحابة وامتُهنوا، ومزقت أعراضهم؛ أنكم في مأمن، أليس هؤلاء هم الذين أثنى الله عليهم، ورضي الله عنهم ورضوا عنه؟ أليس هؤلاء الذين قال الله فيهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠]؟! وكل نداء في القرآن (يا أيها الذين آمنوا) هم المخاطبون به أولاً، لأن الخطاب وجه إليهم ابتداءً.