إن الله تعالى يلوم العبد الذي لم يعظمه حق التعظيم، بينما تراه عندما يهم بمعصية يجتهد في أن يتوارى عن أعين الناس، والله تعالى يقول:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد:٤].
فانظر إليه كيف استعظم نظر العبد ولا يملك له شيئاً، حتى اجتهد في أن يتوارى عنه في حال المعصية، ومع ذلك لم يرع نظر الله تبارك وتعالى حين لا يراه المخلوقون.
قيل: إن شيخاً من المشايخ أراد أن يختبر طلابه، ومن بين الطلاب الإمام الشافعي فقال الشيخ: ليأخذ كل واحد منكم ديكاً فليذبحه في مكان لا يراه فيه أحد، فأخذوا جميعاً الديوك وذبحوها ورجعوا، كل واحد توارى خلف حائط، عدا الإمام الشافعي فإنه رجع بديكه حياً، فقال له شيخه: أي بني! أعجزت أن تدخل مكاناً لا يراك فيه أحد، وتفعل كما فعل أقرانك؟ قال: نعم أيها الشيخ! فإنني ما دخلت في مكان إلا رأيت الله يطلع عليَّ، وقد اشترطت علينا أن لا نذبحه إلا في مكان لا يرانا فيه أحد.
فكان هذا من فطنة الإمام الشافعي، فتنبأ له شيخه بمستقبل زاهر، فالإمام الشافعي جعل المراقبة العظمى هي المنوطة بهذا الأمر من الشيخ وليس مراقبة العبد.