للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محاولة قتل الغلام بإغراقه في البحر]

وعندما رجع الغلام إلى الملك قال له: ويحك! أين أصحابك؟ قال: كفانيهم الله بما شاء.

كان هذا كاف ليرجع الملك ويرعوي، ولكنه دعا فوجاً آخر من جنوده وقال: خذوه في قرقور.

فالماء معروف أنه لا ينجو منه أحد، بخلاف الجبل؛ لأنه قد يسقط من أعلى الجبل فلا يموت.

حدث أن شخصاً في القاهرة الكبرى سقط من الدور العاشر، وبعد أن سقط من ذلك الارتفاع الكبير قام وكأنه لم يسقط، وعندما قام يمشي إذا بسيارة مسرعة ترتطم به فيسقط ميتاً، انظر كيف مات؟ قال الملك بعد أن أمر بأخذه إلى البحر: فإن آمن وإلا لججوا به.

يعني: أرموه في لجة البحر؛ لأنه لن يستطيع أن يعوم، وسيكون طعاماً للسمك.

البحر مرعب دائماً، والذي يركب السيارة لا يخاف مثل ما يخاف من الباخرة لماذا؟ لأنه عندما ينظر من شباك الباخرة ينظر إلى البحر الذي لا يدرك آخره بصره، فيحصل له الرعب.

والعرب كانوا يخافون من البحر وقد كانوا يضربون به المثل في أشعارهم، يقال: أن رجلاً أتى أبا العباس المبرد رحمه الله، وكان إماماً في النحو واللغة، فقال: أريد أن أقرأ عليك كتاب سيبويه في النحو، فقال له أبو العباس: أي بني! هل ركبت البحر؟ تريد أن تفهم كتاب سيبويه، ماذا تظن سيبويه هذا؟! هل تظن أنك ستذهب تفتح الكتاب وتقرأ فتفهم! إن كتاب سيبويه من أصعب الكتب منالاً، ولذلك سماه: "الكتاب"، لم يقل: كتاب النحو، ولا علم النحو، ولا أي شيء من هذا، بل قال: "الكتاب".

إنما قال له: (أي بني! هل ركبت البحر؟) استعظاماً للكتاب! وسيبويه رحمه الله مات وعمره اثنان وثلاثون سنة، فالأمة هذه مليئة بالعظماء.

المهم: الملك عندما أحب أن يعرضه لتهديد أشد من هذا - أن يرمى من الجبل- قال: لججوا به البحر، فلما وصلوا البحر قالوا له: آمن وإلا رميناك في البحر، فلم يؤمن لهم، وقال: رب اكفنيهم بما شئت، فانكفأ بهم القارب فغرقوا.

حسناً: كيف عاد الغلام؟! {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:٥٦]، رجع في معية الله، فالغلام عندما أخلص دينه لله، ترك مسألة الأمن لربه تبارك وتعالى فأمّنه، والمسألة كلها معلقة بهذا القلب.

مرة وأنا مسافر في إحدى السفريات، وكان هناك رجل بجانبي في الطائرة، ويبدو على هذا الرجل أن يسافر بالطائرة لأول مرة.

المهم: الطائرة بدأت في مغادرة المطار، فبدأ هذا الرجل يرتجف من شدة الخوف، فلما طارت الطائرة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأنه لا أحد سيخلصه، وقد وقع الفأس في الرأس، وصرنا في قبضة الملك.

المهم: بعد أن تناولنا الطعام، أردت أن أتعرف على هذا الرجل، فقلت له: يا أخي! أنا سمعتك تقول كذا وكذا لماذا؟ قال: أما ترى ما نحن فيه؟! نحن بين السماء والأرض.

قلت له: نعم، نحن بين السماء والأرض فعلاً، لكن أنا سمعت منك كلمةً جميلة، قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله.

قال: نعم، وهل بيدنا شيء؟ قلت له: وإذا مشيت على الأرض بقدميك هل بيدك شيء أيضاً.

يعني: هل تظن عندما تمشي على الأرض برجليك أنك ملكت أمرك؟ ولما كنت مثل الشعرة بين السماء والأرض لم تعد تملك أمرك؟! وهناك أناس يعاملون الله بهذه الطريقة، سبحان الله! ولذلك نحن في هذا الدرس العظيم أعظم شيء نأخذه: أن من كان في معية الله عز وجل يجد الله معه، وإن ابتلي وأهين وشرد.

فلما رأى الملك الغلام قال: ويحك! أين أصحابك؟ قال: كفانيهم الله بما شاء.

ثم قال الغلام للملك: اعلم أنك لن تقتلني إلا أن تعقل ما آمرك به.

فقال: وما ذاك؟ قال: أن تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على خشبة، وتأخذ سهماً من كنانتي، ثم تقول: باسم الله رب الغلام، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني.

فالرجل ظن أن المشكلة انتهت ولكنها ابتدأت، جمع الناس في صعيدٍ واحد، وفعل ما أوصاه به الغلام، فصلبه، ووضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم حيث أشار الغلام، فلما وقع السهم في صدغه مات.

فقال الناس جميعاً: (آمنا بالله رب الغلام).

لماذا؟ لأن رب الغلام قادر، الملك حاول أن يميته أكثر من مرة وعجز، إذاً نحن مع القوي، والعوام مذهبهم، أن من يغلب يذهبون معه، يقولون: نحن مع القوي الذي يعطينا لقمة العيش والأمان؛ فلما ضربه ومات قالوا: آمنا بالله رب الغلام.