[قصة أبي قلابة في الصبر على البلاء]
وفي هذا قصة رواها الإمام ابن حبان في كتاب الثقات عن الإمام أبي قلابة الجرمي.
عن عبد الله بن محمد قال: كنت مرابطاً بعريش مصر فمررت على خيمة فإذا أنا برجل ذهبت يداه ورجلاه، وبصره، وثقل سمعه، فسمعته يقول: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل:١٩]، فقلت: سبحان الله! ما هذا الذي يقوله الرجل، أعلمٌ علمه؟ والله لآتين هذا الرجل، فأتيته فقلت: يا عبد الله! سمعتك تقول كذا وكذا، أي شيء تحمد الله عليه، قال: يا عبد الله! لو أرسل الله الجبال فدمرتني، وأرسل إلي البحر فأغرقني ما ازددت لربي إلا شكراً على هذا اللسان الذاكر، وهذا القلب الشاكر.
ثم قال: إن لي ولداً كان يوضئني، وكان يطعمني ويقوم على أمري وقد افتقدته منذُ ثلاثة أيام فابحث لي عنه، فقلت: والله ما سعى إنسان في حاجة آخر أفضل منك، قال: وذهبت أبحث عن الولد، فما مضيت غير بعيد إلا ووجدت عظامه بين كثبان من الرمل قد افترسه سبع، قال: فركبني الغم، وقلت: ماذا أقول للرجل، وهو في هذا البلاء العظيم؟ قال: فجعلت أفكر ماذا أقول له، فتذكرت أيوب عليه السلام؟ قال: فجئت فسلمت عليه، قال: ألست بصاحبي؟ قلت: بلى.
قال: ما فعل ولدي، قلت يا عبد الله! أتعرف أيوب عليه السلام؟ قال: نعم.
قلت: ما تعرف عنه؟ قال: ابتلاه الله ثمانية عشر عاماً، قلت: فكيف وجده؟ قال: وجده صابراً، وليس هذا فحسب إنما ابتلاه بأهله وابتلاه بماله، فوجده صابراً، فقل ماذا تريد؟ قلت: احتسب ولدك، فإني وجدت عظامه بين كثبان الرمل، قال: فشهق شهقةً وقال: الحمد لله الذي لم يخلق مني ذريةً إلى النار ومات.
قال: فركبني غم، وقلت: ماذا أفعل بالرجل؟ فلا أملك له شيئاً، إن تركته أكلته السباع، فمر قطاع طرق، فوجدوني أبكي بعدما سجيته فقالوا: مالك وما قصتك، ومن هذا الرجل، فكشفوا عنه فإذا هو أبو قلابة الجرمي، فقالوا: بأبي عينٌ طالما غضت عن محارم الله وبأبي جسمٌ طالما عانا في طاعة الله، قال: فسجيته ودفناه، وذهبت إلى رباطي، فلما نمت رأيته في منامي في أحسن حالة، فقلت له: ألست بصاحبي؟ قال: بلى.
قلت: ما فعل الله بك؟ قال: أدخلني الجنة، وقيل لي: سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.
وأبو قلابة الجرمي أحد الأئمة الثقات، من الرواة عن أنس بن مالك، ثقةٌ، حافظ.
فهذا البلاء المنوط بالأولياء هو نعمة من الله سبحانه وتعالى عليهم كما هو واضح في قصة أبي قلابة الجرمي، وقصة هاجر وإسماعيل عليهما السلام.
وعاشت هاجر وإسماعيل في هذا الوادي، وبينما قبيلة جرهم تمر في طريقها إلى بلدها، إذا رأوا طائراً يطير ويحوم فقالوا: لا يحوم هذا الطير إلا على ماء، فأرسلوا جرياً لهم أو جريين يعني: رسولاً -يبحثون عن ماء فوجدوا أم إسماعيل ووجدوا الماء هناك، فجاءوا واستأذنوا أن يسكنوا حول الماء، فقالت: نعم، اسكنوا ولكن لا حق لكم في الماء فوافقوا، وبنوا لها بيتاً وسكنت، وشب إسماعيل عليه السلام في هذه القبيلة، وتعلم منها العربية وقد جاء في بعض الآثار أن إسماعيل عليه السلام هو أول من تكلم بالعربية، وفي هذا الحديث: أن جرهم هي التي علمته العربية.
فجمع العلماء بين الحديثين، وقالوا: أول من تكلم بالعربية الفصيحة المعربة هو إسماعيل، ومطلق التكلم باللغة العربية كان جرهم.
وسكنت قبيلة جرهم مع هاجر وإسماعيل عليهما السلام، وكبر إسماعيل فيهم وكان ذا خلق رفيع، فكان كل بيت يريدون أن يزوجوه ابنتهم، وتزوج إسماعيل عليه السلام امرأة منهم.