[معنى قوله صلى الله عليه وسلم:(ما نقص مال من صدقة)]
النبي صلى الله عليه وسلم حلف على هذه الثلاث:(ثلاثٌ أقسم عليهن: ما نقص مالٌ من صدقة)، العبد يظن أن الصدقة ضرراً، فإذا كان معه عشرة جنيهات فتصدق بجنيه يقول: أصبح معي تسعة، مع أنها لا تُحسَب هكذا، فحسابك أنت غير حساب الملك، والنبي عليه الصلاة والسلام رأى عائشة رضي الله عنها تعد تمراً في جراب لتعرف كم سيبقى هذا التمر، وكذلك كان الناس يفعلون، كما نعد البرتقال، حتى نعرف كل واحد كم يأخذ! وهذا العد يضيع البركة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة وهي تعد وتحسب:(لا توكي فيوكي الله عليك) لا تحسبي فيحسب الله عليك، وهي لما رأت أن في الجراب تمراً، كل يوم تأخذ منه ولا ينفد، استغربت، وقالت: ما هذا التمر؟ هل هذا في جراب أم أنه تمر في مخزن؟! فبدا لها أن تعده، فعدته.
والصدقة إذا أخرجتها يتلقاها الله بيمينه، كما قال عليه الصلاة والسلام:(إن الله ليأخذ الصدقة بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يُرَبِّي أحدكم فلوه)(الفلو) هو الفرس المولود، تربيه على عينك حتى يصير مُهراً كبيراً، فالله تبارك وتعالى يأخذ منك الصدقة قرشاً أو جنيهاً، فإذا بك عندما توافي ربك يوم القيامة تراها كأمثال الجبال، وهذا مما يُسْعِد العبد.
ألم تر أنك وقد وضعتَ في جيبك مبلغاً كبيراً من المال، ثم نسيتَه، وليكن في قميص شتوي، فإذا انتهى الشتاء خلعت القميص ووضعته في الدولاب، وأنت تسأل نفسك: أين ذهب هذا المال؛ لكن لا تعرف، حتى يأتي الشتاء القادم، فتلبس القميص، فتضع يدك في جيبك، فإذا بك تجد المال، فتكون فرحتك به كبيرة، بالرغم أنه مالك، وما أحدٌ أعطاك إياه، لكنك تسعد به؛ لأنه جاءك عن غير حساب.
ولذلك المصيبة عندما تأتي غير متوقعة يكون ألمها شديداً جداً؛ كذلك النعمة إذا جاءت غير متوقعة يكون فرحها شديداً جداً أيضاً.
فإذا تصدقت فلا تحسبها كما يحسب بقية الخلق؛ لأن المال لا ينقُص من صدقة أبداً، إنما الله تبارك وتعالى يربيها لك.
إذا أعطيت الدينار أو الدرهم فوقع في يد الكريم الملك الغني، فإنه يضاعفها لك، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وليست المسألة ستقف عند هذا الحد، بل الله يضاعف لمن يشاء.
فلأن العباد يحسبونها خطأً أقسم علي أنه لا ينقص أبداً (ما نقص مال من صدقة).