للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصنف الرابع: الذي ليس لديه مال ولا علم]

الصنف الرابع: (ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علماً) وهو هذا الذي: {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:١١].

هذا الرجل ليس لديه مال ولا علم، لذلك أساء اختيار من يتأسى به، وأول ما أحب أن يختار اختار كلب الغنم الذي ذكرنا قصته من قبل.

العالم لأنه عالم أول ما أراد أن يتأسى اختار أفضل رجل على وجه الأرض: رجل آتاه الله مالاً وعلماً.

أما هذا الرجل الذي ما عنده علم فقد اختار أسوأ رجل على وجه الأرض، الذي هو: رجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (فهذا بأخبث المنازل).

الإنسان العامي ليس له مذهب، مذهبه مصلحته، ولذلك ممكن يبدل مذهبه كل يوم.

العامي رجل سياسي، والسياسي لا دين له، والذين قالوا هذه العبارة هم السياسيون أنفسهم، قالوا: إن السياسة ليس لها مبادئ، ولا دين لها، ممكن يتخذ القرار الآن ويتراجع عنه غداً؛ لأن الوضع يستلزم هذا.

العوام سياسيون، يقول لك: خذه بالسياسة.

العوام هم الذين خذلوا علي بن أبي طالب رغم أنهم كانوا مثل الرمل كثرة.

ولما سأل الحسين رضي الله عنه رجلاً عن أهل العراق: (ما أخبار أهل العراق؟ قال: قلوبهم معك وسيوفهم عليك) هو يذبحك ومع ذلك يترحم عليك.

مذهب العوام بالكيلو، وليس بالحصر، هل تعلم ما معنى بالكيلو؟ يأتي رجل مثلاً يقول للناس: إن السنة كذا وكذا.

فيقول له: يعني كل هؤلاء لا يفهمون وأنت الذي تفهم.

مذهب العوام كلما وجد أن العدد أكثر كلما كان هذا دلالة على أنه حق، مع أن الله عز وجل قال: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ} [الأنعام:١١٦].

العامي يجد ويجتهد في طلب شهوته وهواه، فإذا لم يحصل رجع إلى العكس، أحدهم سافر إلى الخارج، فقيل له: ماذا تعمل يا أخي هناك؟! يقول لك: أغسل الصحون.

حسناً: أنت عندما كنت تأكل في طبق الفول، وأبوك أو أمك يقول لك: ضعه في المطبخ.

كنت تقول: هذا ليس عملي.

فلماذا تذهب هناك تغسل أطباق الخنازير وكئوس الخمر؟! لماذا؟ لقد خرج ليجمع المال فرجع بخفي حنين.

هل تعرف قصة خفي حنين؟ كان لدى حنين جمل سمين، وكان هناك لص ذكي، مثل قصة الخروف التي حصلت في القاهرة، حيث محاكم القاهرة الكبرى التي فيها العجائب! شخص سمع خروفاً يصيح على عمارة، فصعد العمارة وأخذ الخروف ووضعه على كتفيه ونزل، قابل شخصاً على السلم، فخاف أن يكون صاحب الخروف، فماذا قال اللص؟ قال له: إنتم بتعرفوا أكل اللحم؟ تريدون شراء فروق بستين جنيهاً؟! فالرجل قال له: خير، لماذا زعلان؟ ما الموضوع؟ قال: يطلعوني إلى الدور الخامس وينظرون إلى الخروف، ثم يقولون لي: هذا جلد على عظم، ويعطونني فيه ستين جنيهاً! قال له: يا أخي لا تغضب، هات الخروف وخذ ستين جنيهاً.

قال: حلال عليك.

أخذ اللص ستين جنيهاً وصعد الرجل بالخروف، الجيران كان لديهم خروف، والرجل من فرحته نزل ليشتري البرسيم ليأكل الخروف، وصاحب الخروف الأصلي أيضاً صاعد يطعم الخروف.

قال له: إيه يا عم؟! متشكرين جداً، والله ما كنت أعرف أنك تعز الخروف، اشتريت له برسيماً على حسابك؟ قال له: لا، هذا خروفي.

خروفك! كيف خروفك؟ أنا الآن اشتريته.

وتشاجرا مع بعض، واللص أخذ القيمة وهرب بها! وهذا مثل لص حنين، رأى الناقة جميلة فقال: أنا أريد أن أسرق هذه الناقة، لكن كيف أسرقها وصاحبها راكب عليها؟ فقام ووضع فردة حذاء على شجرة في الطريق، وبعد نحو نصف كيلو متراً قام ووضع الفردة الثانية على فرع شجرة أخرى، فـ حنين كان يمشي فوجد الفردة الأولى، قال: يا سلام! لو كان لها أخت! وتركها.

وهذا مثل الرجل المغترب الذي نزل إلى القاهرة، ولم يجد أي فندق ينام فيه، فوجد (لوكندة) للنوم، فقرأها لو كَنده للنوم -أي: لو كان هذا للنوم- هو قرأها هكذا وهذا كان يقول: لو أن أختها موجودة! المهم مشى نصف كيلو متراً فوجد أختها، قال: أنا سأربط الناقة وأذهب لكي آتي بالفردة الأولى.

وكان اللص له بالمرصاد، أول ما ترك حنين الناقة؛ قام اللص وركب الناقة وهرب.

رجع حنين بفردة الحذاء الأخرى أين الناقة؟ لم يجدها.

فلما رجع إلى قومه قالوا: يا حنين! بم رجعت؟ قال: بالخفين.

إذاً (رجع بخفي حنين) مثل يضرب للذي يرجع بالخيبة والخسران.

فهذا سافر إلى الخارج وغسل الأطباق ورجع بدون مال، أول ما يعود، يقال له: يا فلان أين المال؟ يقول: والله يا أخي المال ليس كل شيء، يعني هؤلاء الذين لديهم المال ماذا صنعوا به؟! إذاً لماذا لم تقل هذا الكلام قبل أن تخرج؟ إذاً العامي على استعداد أن يرجع إلى الصفر إذا كان سيريح نفسه، أو إذا كان هذا يرضيه، فهذا هو مذهب العوام.

وانظر إلى الجماعة الذين يقولون: نحن أكبر جماعة في العالم، نحن اليوم انضم إلينا خمسة آلاف، أربعة آلاف، ثلاثة آلاف.

هذا الكلام لا قيمه له {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} [الأحزاب:٢٣] أي: ليس كل المؤمنين رجال.

يقول العلماء: هذا على مذهب العوام الطغام، ومن سار سيرتهم من أشباه الأنعام.

العوام لا مذهب لهم، أخفقوا في الاختيار لمن يقلدونه ويتأسون به؛ لذلك نالوا الخزي والخسران بدون شيء.

فالرجل الرابع لا معه دنيا ولا معه آخره، لذلك كان بأردأ المنازل وأخبثها.

إن على كل شخص منا أن يسأل نفسه وليكن أميناً في

الجواب

من أي الأصناف أنا؟ الإمام البخاري كان اسمه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، نحن كلنا نعرف البخاري، لكن لا نعرف والده.

كان أبوه -رحمة الله عليه- تاجراً غنياً، لما حضرته الوفاة دعا ابنه الإمام البخاري، وقال له: يا بني! لقد تركت لك ألف ألف درهم، ما أعلم درهماً فيه شبهة.

يستحيل أن يقترب من الحرام.

كيف تأتى لمثل هذا الرجل ألا يقع في كل ماله درهم فيه شبهة؟! إن ذلك بسبب الاتصال بالعلماء، كان يمشي معهم دائماً.

الإمام البخاري لما ترجم لوالده، وأحب أن يذكر منقبة من مناقبه، ومعروف أن الإنسان إذا أوجز يذكر أفضل ما يجد، لو قلت لك: صف لي أباك في كلمة واحدة؟ فإنك ستذكر أفضل ما تتخيله في أبيك.

فالإمام البخاري لما ترجم لوالده ترجمه ترجمة موجزة في سطر؛ لقد بحث عن أجل عمل عمله فقال: رأى حماد بن زيد وصافح ابن المبارك بكلتا يديه فقط.

إذا قيل العمران: أبو بكر وعمر، الشيخان: البخاري ومسلم، الحمادان: حماد بن زيد وحماد بن سلمة، السفيانان: سفيان بن عيينة وسفيان الثوري.

قالوا في ترجمة حماد: لو قيل له: القيامة غداً؛ ما قدر أن يزيد في عمله شيئاً، انظر إلى الجلالة! أنا أذكر وأنا طفل صغير أنهم كانوا يقولون: القيامة ستقوم يوم الأحد، لا أنسى هذا اليوم أبداً، في هذا اليوم كان كل الناس في المسجد تبكي.

المهم: هذا المنظر لا أنساه أبداً، وحماد لو قيل له: القيامة غداً لا يقدر أن يزيد في عمله شيئاً، هذا يستحق أن يُرى أم لا؟ لكن انظر اتصاله بأهل العلم، يأخذ الفتوى مجاناً.

فلماذا قصرت في طلب الفتوى ودخلت في البيوع المحرمة والبيوع التي فيها شبهة؟! أنت رجل صاحب مال، ليس عندك وقت تتعلم، إذاً اتصل بعالم، اجعله مستشاراً لك، لا تقدم رجلاً ولا تؤخر أخرى، فأنت إذا قلت له: ما حكم الله في ذلك؟ هو إذا أخطأ؛ فلا جناح عليك.

إذاً نحن يا إخواننا! ننظر بعد هذا الحديث من أي الأصناف الأربعة نحن؟! إذاً الصنف الثالث والرابع نعوذ بالله وإياكم أن نكون منهما، إذاً ما بقي إلا الصنف الأول والثاني، وإنما صار الصنف الأول والثاني ممدوحين بالعلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.