[أن تعلم أن الجزاء من جنس العمل]
الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن، والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
من جملة شهود غضبه وانتقامه تبارك وتعالى، وأجارنا الله وإياكم من غضبه ومن ناره أن تعلم أن الجزاء من جنس العمل، فإذا علمت ذلك وخشيت أن الله تبارك وتعالى إذا غضب عليك لا يرحمك أحد؛ كان ذلك باعثاً على زيادة دينك وهادماً لشهواتك.
واعتبر بالحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ فقال لنا مرة: أتاني آتيان بعد صلاة الغداة -أو قال: ذات غداة- فانطلاقا بي، فإذا رجل مضطجع ورجل آخر قائم بصخرة عظيمة يهوي بها على رأسه، فيثلغ بها رأسه، فيتدهده الحجر، فيذهب ليأتي به، فيرجع بهذه الصخرة ويضربه مرة أخرى.
قلت: سبحان الله! ما هذان؟ فقالا لي: انطلق انطلق.
قال: فجئت فإذا رجل مضطجع على قفاه، وآخر معه كلوب من حديد -الكلوب: خطاف- فيشرشر شدقه إلى قفاه -ينزعه من شدقه إلى قفاه- ومن منخره إلى قفاه، ومن عينه إلى قفاه، ثم يذهب إلى الشق الآخر فيشرشره إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فما أن يشرشر هذه الناحية حتى تعود الأخرى صحيحة فيرجع عليها وهكذا.
قلت: سبحان الله! ما هذان؟! قال لي: انطلق انطلق.
قال: فجئت رجلاً يسبح في بحر من دم، وعلى شاطئ البحر رجل عنده صخر كثير، يسبح ويجيء، فيلقمه الواقف على الشاطئ حجراً فيلتقمه ويدور ثم يجيء، فيرميه بحجر يلتقمه وهكذا.
قلت: سبحان الله! ما هذان؟! قال لي: انطلق انطلق.
قال: وجئت فرأيت تنوراً -فرن من الأفران العظيمة- وفيه رجال ونساء عراة، ولهب يأتيهم من أسلف، فإذا وصل إليهم اللهب ضوضوا -صرخوا- فقلت: ما هؤلاء؟! قالا لي: انطلق انطلق)، وساق بقية الحديث.
ما أريده هو هذا الجزء من الحديث: الرجل الأول فسره الملكان للرسول عليه الصلاة والسلام (رجل مضطجع، وآخر معه صخرة عظيمة يضربه بها، فيثلغ رأسه، ويتدهده الحجر) هل تعرف ما معنى يتدهده؟ يعني يصير رملاً، هذا الصخر العظيم من هول الضربة يصير رملاً، فقالا له: هذا هو الذي ينام عن الصلوات المكتوبات، والجزاء من جنس العمل، ثقل رأسه فلم يجب المنادي، لم يجب داعي الله، فكان هذا هو الجزاء، ولقد أخذ بعض الجزاء في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل ينام ليله كله إلا بال الشيطان في أذنه) وإذا نام الإنسان يعقد الشيطان على قفاه ويقول: (نم، عليك ليل طويل).
فأما الرجل الثاني المضطجع على قفاه، وآخر قائم بالكلوب يشرشر شدقه، فقالا له: هذا الرجل يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق.
أما الرجل الثالث -الذي يسبح في بحر من الدم، والآخر يلقمه حجراً- فذلك آكل الربا، الذي مص دماء الناس وأموالهم، وهو يسبح فيها الآن في البرزخ، هذا الذي يسبح فيه دماء الخلق التي مصها، ثم هو لم يخرج بشيء من دنياه إلا الحجر: {كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ} [البقرة:٢٦٤] صفوان عليه تراب يغرك منظره، تراب كنت تظنه أرضاً صالحة، يأتيه الوابل -الذي هو المطر الغزير- فيدعه صلداً، وتكتشف أن هذا مجرد حجر لا يصلح للزراعة، والحجر لا ينفع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) يعني: الولد لا ينسب إلا إلى فراش الزوجية الذي أتى بعقد صحيح، مثلاً رجل تزوج امرأة بعقد صحيح.
فأولدها، فهذا الولد الذي جاء على فراش الزوجية بالعقد الصحيح ينسب إلى أبيه، ولو أن رجلاً زانياً فجر بالمرأة على فراش زوجها وأولدها ولداً، فإن الولد لا ينسب إلى الزاني، باتفاق العلماء، وينسب إلى أمه وليس إلى أبيه، فهذا ينزل بمنزلة الأنعام.
حسناً: (الولد للفراش) والعاهر الذي فجر بالمرأة ما هو جزاؤه؟ أو ما هي الفائدة التي حصلها؟ قال صلى الله عليه وسلم (وللعاهر الحجر) أي: الذي لا قيمة له، يعني أخذ الخيبة والخسران.
فهذا هو حال آكل الربا وهذا هو مآله -والعياذ بالله- فاحذروا البنوك وفوائد البنوك، فإنها ربا، ولا تسمعوا للمفتي، ولا لشيخ الأزهر ففوائد البنوك ربا! حرام! ومن وضع ماله في بنك فليخرجه، وليتقِ الله عز وجل لا يأكل حراماً، هكذا أفتى كل العلماء الذين تعقد عليهم الخناصر، وهذه هي الفتوى الرسمية للأزهر، وأيضاً هي الفتوى الرسمية لمجمع الفقه في مكة، وفي دبي، وفي المغرب، وقد اتفقوا على ذلك.
وأما التنور الذي فيه رجال عراة ونساء عرايا، قال صلى الله عليه وسلم: (هم الزناة والزواني) عادت نار الشهوة -التي كان يشعر بها في قلبه- تنوراً يحرقه، آه لو صبر وفعل ما أمر به -كالصيام مثلاً- لكسر حدة شهوته وفاز ونجا من ذلك الهول العظيم.
فليستحضر العبد العاقل مثل هذه المشاهد، فإن ذلك فيه تقوية على باعث الدين، وفيه هدم -أيضاً- لباعث الشهوات.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.