[سبيل الخروج من مرحلة الاستضعاف]
نحن نعاني من حالة عظيمة جسيمة، نحن ضعفاء لا قوة لنا إلا بالله، وأتباع الرسل دائماً ضعفاء، كما ورد في حديث ابن عباس في مطلع صحيح البخاري، لما حاور أبو سفيان هرقل عظيم الروم، قال هرقل لـ أبي سفيان -يسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم-: كيف نسبه فيكم؟ فقال: هو فينا ذو نسب.
قال: هل كنتم تتهمونه قبل ذلك؟ قال: لا.
قال: هل كان من آبائه من ملك؟ قال: لا.
قال: هل قال بقوله رجلٌ قبله؟ قال: لا.
قال: اتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ قال: بل ضعفاؤهم.
قال: يقلون أم يزيدون؟ قال: بل يزيدون.
قال: هل يرتد أحدٌ منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قال: لا.
هكذا وصف المستضعفين، وأن عددهم كل يوم في زيادة، مثلما هو حادث الآن، الرسم البياني للراجعين إلى الله كل يوم يزيد، ولا يرتد أحدٌ منهم إلى الخلف أبداً، إذا باشر الإيمان شغاف قلبه لا يرتد أحدٌ منهم سخطةً لدينه، حتى أن المؤلفة قلوبهم لما كان الواحد منهم يحسن إسلامه كان يرفض (سهم المؤلفة قلوبهم) رجل تعطيه حتى لا يكفر، فبعد أن يحسن إسلام الرجل كان يستنكف أن يأخذ هذا المال لماذا؟ يقول: أنا الآن أسلمت وجهي لله عز وجل، وما بي من حاجة أن يقال: أخذ المال حتى لا يكفر، ويراه عاراً عليه أن يأخذه، برغم أنه محتاج إليه! فهؤلاء لا يرتدون أبداً لماذا؟ يعتزون بإيمانهم، أرأيت إلى بني هاشم لما حاصرتهم قريش في الشعب ثلاث سنين، الحرب الاقتصادية حرب يلجأ إليها أعداؤنا في حال استضعافنا، أجاعوا بني هاشم، وقالوا: لا يقصد أحدٌ منهم ولا ينكحهم أبداً ثلاث سنوات، حصروهم حتى ألجئوهم إلى أكل الديدان والحشرات لماذا؟ حتى يتبرءوا من النبي صلى الله عليه وسلم ويعلنوا هذا الرفض، ما خلصهم إلا الله بأن قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه يوماً: (أما تعلم أن الله أرسل الأرضة -دابة الأرض، مثل السوس- فأكلت الشروط -لأن قريشاً كتبت ورقة وعلقتها في الكعبة- فأكلت كل شيءٍ إلا اسم الله) فـ أبو طالب أول ما سمع هذا الكلام ذهب إلى قريش، وقال: لو أخبرتكم أن الأرضة أكلت ورقة الشروط كلها، وما أبقت إلا اسم الله؛ تفكون هذا الحصار؟ قالوا: قد أعذرت وذهبوا إلى الورقة فوجدوا الأرضة قد أكلتها كلها فعلاً إلا اسم الله عز وجل؛ ففكوا الحصار.
فاعلم أنك إذا رجعت إلى دينك ستحاصر دولياً ومحلياً، وعلى مستوى الفرد، ستنقل من وظيفتك المرموقة وتوضع في المخازن؛ ستسجن، وتمنع من علاواتك وترقياتك حرب اقتصادية، والأمة بمجموعها لو رجعت إلى الله لمنعوا صفقات القمح التي يمدوننا بها، لكن لا قوة لك إلا بالله، فاسمع إلى كلام الملك الصادق سبحانه وتعالى، الذي لا يتطرق إلى كلامه شكٌ فضلاً عن كذب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:٢٨] طيب يا رب هؤلاء المشركون معهم المال ويعطوننا القمح.
فقال: ((وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً)) أي: فقراً {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} [التوبة:٢٨]، مشركون يعطوننا المال والسلاح، فقال الله عز وجل: {وَلا تَهِنُوا} [آل عمران:١٣٩]، {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:٢٨] * {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة:٢٩] هذه مرحلة أخرى، امنع ولا تكتفِ بالمنع، بل اهجرهم في عقر دارهم، وقاتلوهم لنشر دين الله عز وجل؛ يرفعكم الله عز وجل.
هذه لمحةٌ وطرفٌ مما نعانيه الآن، إنما قلت ذلك لأن أول درجات النجاح هو وضع الخطة المحكمة، سواءٌ في التقدم أو في رجوع القهقرى.
أنت مستضعف، ونحن الآن نتكلم عن الاستضعاف من خلال سورة القصص، وكيف أن الله مكن لبني إسرائيل بعدما كانوا مستضعفين؟ ماذا فعل بنو إسرائيل حتى مكن الله لهم؟ لكن كانت هذه مقدمة ضرورية؛ لبيان حالنا ووضعنا، ومدى الضعف الذي نعانيه، حتى إذا حدونا قلوب المستضعفين وهم في طريقهم إلى الله؛ قالوا: لبيك، بل وألف (لبيك).
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.