ومعنى التفاف الساق في الآية يظهر بتأمل الآيات وما بعدها، فقوله تعالى:{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} أي: الروح، ((بلغت التراقي)) يعني: على وشك الخروج.
{وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ}: يعني هل هناك راق يرقيه من هذا الخطب الفادح أو طبيب يشفيه؟ وبعض العلماء فسر الآية {مَنْ رَاقٍ} أي: من الملك الذي يرقى بروحه؟ ولكن التفسير الأول أقوى؛ لأن الميت إذا مات فهناك ملائكة موكلون بأن يرتفعوا بروحه، ولا حاجة لأن يقول أحد لأحد: من الذي يرتفع ومن الذي يحمله؟ إنما {مَنْ رَاقٍ} يعني: هل من راق يرقيه أو طبيب يدفع عنه العلة.
{وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} لو أن أحداً أراد أن يمشي فالتفت ساقاه فإنه لا يستطيع أن يمشي، ولهذا بعدها مباشرة قال:{إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}، وهو لا يستطيع المشي، فهو ذاهب إلى الله، لكن هو ذاهب إلى الله كمن التفت ساقاه فلا يستطيع أن يمشي، ولذلك في آخر هذا كله قال:{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[القيامة:٣١ - ٣٢] ومصداق هذا في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حمل الرجال الجنازة الفاجرة على أعناقهم صاحت بصوت يسمعه الخلائق إلا الثقلين -الإنس والجن-: يا ويحها! أين تذهبون بها؟!) لما تعاين من عذاب الله تبارك وتعالى فهذا متعثر الأقدام، متعثر السير إلى الله كمن التفت ساقاه وهو يمشي، ومع ذلك لابد أن يساق، سواء استطاع أن يمشي أولم يستطع فهو يساق، {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}