ليس هناك شيء يحسد المرء لأجله إلا هذين فقط: العلم والمال، لكن المال لا يحسد لأجل ذاته أبداً، ما حسد صاحب المال إلا لأنه سلطه على هلكته في الحق، وإلا فصاحب المال المتعالي عن العلم مذموم، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد من حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما الدنيا لأربعة نفر: رجل آتاه الله علماً ومالاً، فهو يتقي الله فيه، يصل به رحمه، ويعرف لله فيه حقه، فهذا بأفضل المنازل.
ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فهو يقول: لو أن لي كفلان لعملت بعمله، فهو ونيته، فهما في الأجر سواء.
ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط في ماله لا يتقي الله فيه، ولا يصل به رحمه، ولا يعرف لله فيه حقه، فهذا بأخبث المنازل.
ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي كفلان لعملت بعمله، فهو ونيته، فهما في الوزر سواء).
فأنت ترى الرجل الأول آتاه الله علماً ومالاً، والرجل الثالث آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فقال عليه الصلاة والسلام في الرجل الأول:(فذلك بأفضل المنازل)، وقال في الرجل الثالث:(فذلك بأخبث المنازل)، فما الذي رفع الأول ووضع الثالث؟ لا شك أنه العلم؛ لأن الأول عنده علم ومال، والثالث عنده مال فقط، فعندما تأخذ القاسم المشترك بينهما تجد الأول متفرد بالعلم، فالذي رفع هذا إلى أفضل المنازل وحط ذاك إلى أخبث المنازل هو العلم.
فلذلك صاحب المال الذي يُحسد ليس هو صاحب المال المحض فقط، ما حسد هذا الرجل إلا لأنه سلطه على هلكته في الحق، ولا يستطيع الرجل أن يسلطه على هلكته في الحق إلا إذا كان عالماً، أو طالب علم، أو يصاحب عالماً، هذا لابد منه، إما أن يكون عالماً كالرجل الأول، وإما أن يكون طالب علم، أقل شيء أن يعرف البيوع المنهي عنها والتي يجوز أن يتبايع بها.