قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أول الكلام أنه كان وصاحب له يتناوبان النزول إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يستطيع أن يترك حياته ولا معيشته؛ لأن هناك نفقة واجبة عليه، لأن النفقة على الأولاد وعلى الزوجة واجبة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:(كفى بالمرء إثماً أن يحبس عن من يملك قوته)، كما في صحيح مسلم، وكما في حديث بسند ضعيف (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت)، كفى إثماً به أن يضيع امرأته وعياله، فكان لا بد أن يعمل ليسقط هذا الواجب عنه، وفي نفس الوقت لا يريد أن يفوته علم ولا خير من النبي صلى الله عليه وسلم، فاتفق هو وجاره من الأنصار أن ينزل يوماً عند النبي عليه الصلاة والسلام وعمر يشتغل في تجارته أو زراعته، واليوم الثاني ينزل عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويذهب الأنصاري هذا اليوم إلى تجارته، وكل يوم في الليل الذي عليه الدور يذهب لصاحبه في البيت ويقول له: نزل من الوحي كذا وكذا، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بكذا وتحدث بكذا، ويحكي له وقائع ذلك اليوم.
فـ عمر بن الخطاب يقول:(وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لغزونا، فجاءني صاحبي عشاءً، وطرق الباب طرقاً شديداً) أي: على غير العادة، (وقال: أثم هو) أي: أهو موجود؟ وفي الرواية الثانية:(أنائم هو؟) فسمع عمر بن الخطاب صوته (فخرج يجر رداءه، ثم قال له: ماذا جرى! أجاء غسان؟) أي: الملك هجم على المدينة، قال له:(لا، بل حدث ما هو أهول من ذلك وأعظم، طلّق النبي نساءه) لاحظ تعبير الصحابي، يعتبر أن تطليق النبي عليه الصلاة والسلام لزوجاته وتكدر خاطره أعظم من اجتياح العدو المدينة، وكانوا يراعون النبي عليه الصلاة والسلام، مراعاة ليس لها حدود، حتى أن عمر بن الخطاب لما دخل المسجد وجد حول المنبر رهطاً يبكي بعضهم، ليس لأجل النساء، حتى لو كانت ابنته أو أخته، بل لأجل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه معتزل في المشربة، وقد تكدر خاطره، لأنهم كانوا يحبونه غاية الحب، ومن عرفه أحبّه ولم يخالفه أبداً، فالذي يعرف النبي صلى الله عليه وسلم، ويدمن النظر في سيرته، لا يستطيع أن يخالفه أبداً؛ فكيف بمن شاهده وسمع كلامه، ورأى حنوه عليهم، عليه الصلاة والسلام.
نريد أن نعلم الزوجات ترك الاعتراض على الزوج وتكدير خاطر الزوج؛ لأن نهاية هذه المعاملة دمار البيت.
نحن نتكلم كثيراً عن جيل التمكين، فإذا البيت يدمر فقد عندنا أي رصيد لجيل التمكين، فعلى الأم والأب أن يتعاونا معاً لأجل الوصول إلى هذه الغاية، قد تخفى الأم على الأب خبر أن الولد يشرب سجاير، لمصلحته كما تزعم، والأب ليس عنده أي علم بذلك، فهذه خيانة، لابد من عرض هذه المسألة على الأب.
فترك الاعتراض وعدم الاعتراض في حق الرجل يوجب الغضب على المرأة يقول عمر رضي الله عنه:(كنت أعلم أن ذلك يوشك أن يكون)، فكل هذا الذي يحدث ما هو؟ فنزل إلى حفصة فوجدها تبكي قال:(لم تبكين؟ أولم أكن حذرتك؟ أطلّقكن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ما أدري).