نحن لا ننسى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلد صبيغ بسبب أنه سأل سؤالاً في أجناد المسلمين، كان أبو موسى الأشعري قائد المسلمين، فإذا برجل اسمه صبيغ العراقي يسأل المسلمين عن الآيات المتشابهات، فوصل ذلك إلى أبي موسى الأشعري، فأرسل إلى عمر، فقال عمر: أرسله إليَّ، فلما جاء به الرسول ودخل على عمر، قال: جئت بـ صبيغ، فدخل عليه صبيغ، فقال له: أنت الذي تسأل في أجناد المسلمين عن محدثة؟ ودعا بجريد رطب، والجريد الرطب أشد في الإيلام من الجريد اليابس، فما زال يضربه حتى انبجس منه الدم، فتركه عمر حتى برأ، فجاء به، فما يزال يضربه حتى انبجس منه الدم، وتركه حتى برأ، وجاء به في المرة الثالثة، وهمّ أن يضربه، فقال صبيغ:(يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد أن تقتلني فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت -تبت- فأرجعه عمر إلى أبي موسى الأشعري، وقال: هذا لا يحدثه أحد)، وامتثل المجتمع كله؛ لأن هؤلاء رباهم النبي عليه الصلاة والسلام، لا يستعظمون عين الخلق، ويستحقرون عين الله تبارك وتعالى.
ففي قصة كعب بن مالك في غزوة تبوك لما أمر النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين ألا يكلموه واشتدت عليه الوحدة، ذهب إلى أبي قتادة الأنصاري قال كعب بن مالك:(وهو ابن عم لي وأحب الناس إليَّ)، ولكن جفوة المسلمين وعدم تكليمهم إياه جعلته يكاد يبكي، كما قال الله عز وجل:{ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ}[التوبة:١١٨] فتسلق الجدار وأبو قتادة وحده ولا أحد معه، قال له:(السلام عليك يا أبا قتادة، قال كعب بن مالك: فوالله ما رد عليَّ السلام)؛ لأنه مأمور ألا يسلم، وهناك أناس يقولون: لا، المقصود الكلام العادي، ورد السلام واجب وليس من الكلام العادي فيصدر حكماً، بل هو مأمور بعدم السلام، وعدم السلام يدخل فيه كل كلام، قال:(فوالله ما رد عليَّ السلام، فقلت: يا أبا قتادة، ألا تعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال: الله ورسوله أعلم) وهذا ليس تكليماً من أبي قتادة لـ كعب بن مالك، بل يمكن أن يكلم نفسه، لكن ليس هناك كفاح ولا مواجهة.
فنفذ أمر عمر بن الخطاب هذا المجتمع الذي هو كما قال رجل لـ علي بن أبي طالب:(يا أمير المؤمنين! لماذا انشقوا عليك ولم ينشقوا على عمر؟ فأجابه إجابة مفحمة، قال: لأن عمر كان والياً على مثلي، وأنا والٍ على مثلك)، هناك فرق، يأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألا يكلمه أحد، فلا يكلمه أحد، حتى شق جداً عليه، فذهب يشتكي إلى أبي موسى، فأرسل أبو موسى لـ عمر أن حسنت توبته، فأمر المسلمين بتكليمه.
وبمثل هذا صان المسلمون كتاب الله تبارك وتعالى عن دخول الأقوال الباطلة باسم التفسير، حيث كان الرجل يخشى أن يفسر تفسيراً مستقيماً فيجلد عليه، فكيف لو أنه قال تفسيراً باطلاً.
فصان المسلمون كتاب الله تبارك وتعالى؛ لأنهم قاتلوا عليه، فأحد أسباب الوهن الأخرى أننا ورثنا كتباً كثيرة جداً، لكن لم ننتفع بها، فتدخل على الرجل منا فتجد عنده مكتبةً لم تكن عند مشايخ الإسلام.