[تسوية الصفوف في الصلاة من الأخذ بالأسباب]
نلاحظ في المساجد أنهم يضعون خطاً على الأرض، لماذا؟ لتسوية الصف، هذا الخط هل كان قبل ذلك موجوداً؟ لا.
هل كانوا يصلون معوجين؟ لا.
ما الذي تجدد؟ الذي تجدد أن الأئمة لم يقوموا بما أُوجب عليهم، يقول الإمام: استووا، وهو مولٍ لهم ظهره، نحن لا نعرف رجلاً في الأرض كان ينظر من الأمام والخلف إلا الرسول عليه الصلاة والسلام فقط، هو الوحيد في أولاد آدم الذي كان ينظر وراءه كما ينظر من أمامه، كما في الحديث الصحيح في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: (استقيموا، فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من خلفي كما أراكم من أمامي) ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام لا يصلي إلا إذا اطمأن أن الصفوف سويت، نحن مقصرون في هذا، وهذا التقصير مشترك، ولا يعفى منه الأئمة.
الإمام لا ينبغي له أن يصلي حتى يتأكد أن الصف استوى، لذلك كان من عاقبة عدم الأخذ بالسبب الظاهري في تسوية الصف أن القلوب التفتت عن بعضها، وهذا قاله النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: (لتسوون بين صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)، فإذا لم يستو الصف فمعنى ذلك أن القلوب تنفر، وكل شر في الأرض بسبب نفرة القلوب.
تسوية الصفوف سبب في ائتلاف القلوب، إذاً لابد أن نسعى إلى تحقيق السبب حتى نجني الثمرة، فالخط الذي على الأرض بدعة لا يجوز فعله؛ لأنه جعل الأئمة يتكلون على الخط، ويقول لك: كل الناس أمامها خط تقف عليه، وماذا عملك أنت؟ ما جعلناك إماماً إلا لترص هؤلاء وتكون وخدهم إلى الله، كما في سنن الدارقطني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تخيروا أئمتكم فإنهم وخدكم إلى ربكم) لأن هذا الإمام أنت تجعله بينك وبين ربك، يعني: إذا ذهبنا إلى ولي العهد هل نأخذ أي شخص ونقدمه أم ننتقي شخصاً عاقلاً رزيناً؟! كما حدث أن بعض الوفود ذهبوا إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يهنئونه بالخلافة فأدخلوا شاباً صغيراً فاستعظم عمر ذلك وقال: (يا بني! أما وجدوا أكبر منك؟) يعني: كبِّر كبِّر! الكبير مهما كان له قيمة، قال: أما وجدوا أكبر منك؟ فقال الغلام: يا أمير المؤمنين! لو كانت المسألة بالسن لكان غيرك أولى منك، قال: أفلحت) مباشرة! فالذي تضعه على رأس الوفد لابد أن يكون زينة للوفد كله، لو وضعت أخرق على رأس دولتك شاهت دولتك كلها، انظر اليوم إلى العراق مثلاً، هل يستطيع أي عراقي أن يدخل أي بلد؟ لا، لماذا؟ هل العراقيون كفرة؟ العراقيون فيهم أخيار، وفيهم أناس أفاضل، كما أن في المصريين فجار وفي السعوديين فجار وفي كل مكان فجار، لكن لماذا العراقي لا يستطيع دخول أي بلد؟ لأن هناك رجلاً أخرق على الرأس، فالشخص ينظر إلى أي عراقي على أساس أنه مجرم؛ لأن الرأس هكذا.
فكونك تضع إماماً يصلي بالناس لا يعرف أي شيء عن أحكام الصلاة لا يصلح، والعجيب جداً أنه لو غاب الإمام ينظر المؤتمون بعضهم إلى بعض، وكل واحد يقول للآخر: تفضل! فيقول الآخر: لا والله تفضل أنت! فيقول: أبداً! لا يمكن! تفضل أنت! أي كلام هذا؟! أهي وليمة؟! لا يتقدم إلا أولو النهى الذين يعرفون أحكام الصلاة.
أذكر مرة -وهذه من العجائب- الجماعة هؤلاء -أصحاب تفضل أو تفضل أنت- أدخلوا شخصاً منهم فوقف يشير بيده؛ لأنه يرى الأئمة قبل أن يدخلوا في الصلاة يقولون استووا تراصوا، ويشيرون بأيديهم يميناً وشمالاً، وقد نسي ماذا يقول؟! فاستمر يشير بيده يميناً وشمالاً ولم تأت معه الكلمة، ثم قال: جاهزين يا رجَّالة!! كأن هذا الرجل رئيس وفد! سبحان الله! كيف تضع مثل هذا يقف بين يدي الله عز وجل ويأخذك إلى الله؟! لا.
هذا لا يكون، لذلك الإمام يجب أن يكون فقيهاً ويقوم بما عليه، الإمام له فضل كبير؛ ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التدافع للإمامة؛ لأن فضلها كبير، لا يرتقيها إلا أهلها؛ فهل تأخذ الفضل بدون أن تبذل أي مجهود؟! لذلك إذا كنت إماماً فقم بواجبك، رصَّ الصف بشكل صحيح، ورص الصف لا يكون بمقدم القدم، تجد الإمام أحياناً يقول: ارتفع أنت قليلاً وتأخر أنت قليلاً! لماذا؟ مثلاً: شخص رجله طويلة وآخر رجله قصيرة كيف تساوي بين هؤلاء؟ لا تستطيع أن تساوي بين هؤلاء إلا بالعقب، لماذا؟ لأن ظهور الناس متساوية، بخلاف البطن، فمن الناس من تكون بطنه كبيرة، وآخر بطنه ملتصقة بظهره، فماذا ستقول للذي بطنه كبيرة وهو خارج عن الصف: ادخل! لا يصلح هذا الكلام؛ لأنه سيخرج من الخلف، إنما لو سويته بالعقب وهو مؤخر الرجل ستكون آخر الرجل كلها مع بعضها، وهكذا تضمن استواء الصف كله مع بعضه.
الخط على الأرض هل كان ممكناً أيام الرسول عليه الصلاة والسلام أم كان مستحيلاً؟ كان ممكناً، وهناك قاعدة فرقنا بها بين البدع والمصالح المرسلة وهي: (أن الأمر إذا كان له مقتضى في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ولم يفعله لا يجوز لك فعله).
لأنه لو كان هذا الشيء فعلاً لابد من وجوده لبادر النبي عليه الصلاة والسلام إليه وفعله، أما إذا لم يفعله فلا يجوز لك فعله.
فرسم الخط لتسوية الصف على الأرض كان في قدرة النبي عليه الصلاة والسلام أن يفعله ولا يكلفه شيئاً، ومع ذلك لم يفعله، إذاً: لا يجوز لك أن تفعله على الأرض، وهو أيضاً من أسباب إهمال الأئمة لما يجب عليهم من تسوية الصفوف.
إذاً ترك الأخذ بالسبب ضيع عليك الثمرة، ولذلك قال تبارك وتعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:٧] افعل ما أمرك به يفي لك ما وعدك: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:٧] تنصره بإقامة حدوده في الأرض وعدم الاجتراء عليها، وإقامة أمره، إذا كنت عبداً فكن عبداً حقاً، فإذا نصرت الله بفعل الأوامر والنواهي نصرك بأن يمكن لك في الأرض.
فهذه الثمرة إذا أهملت السبب منعها الله عنك.