باب الأسماء والصفات ربما وقفنا عنده طويلاً لنعلم الناس كيف يحبون الله، لنعلم الناس صدق الانتماء إليه.
أرأيت إلى هذه الصفة ما أجملها! وأرقها! وأحنها! الودود، لم تتكرر في القرآن إلا في موضعين اثنين، {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}[هود:٩٠] وفي الآية الأخرى في سورة البروج: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}[البروج:١٤]، الصفات حين تقترن ببعضها تؤدي معنى عظيماً.
رحيم من الرحمة؛ لكن صفة الرحمة اقترنت بصفة العزة في مواضع من القرآن، وتستغرب؛ فإن العزة معناها القهر والانتقام والبطش، فكيف اقترنت بالرحمة؟ تأمل في سورة الشعراء بعد ذكر قصة كل نبي، ويذكر الله عز وجل لنا كيف أهْلَكَ المكذبين، يُتْبِع كلَ قصة بقوله تبارك وتعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الشعراء:٨ - ٩]، عزيز لأنه أهلك المجرمين، رحيم لأنه الطائفة المستضعفة، فصفة الرحمة من الممكن أن تقترن بالعزة، وصفة العزة دائماً صفة استعلاء، {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ}[الحشر:٢٣]، {عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}[آل عمران:٤]، {الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}[هود:٦٦]، {عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ}[القمر:٤٢]، صفة العزة صفة هيمنة وجبروت واستعلاء؛ لكن من الممكن أن تقترن بالرحمة.
الغفور من الممكن أن تقترن بالعزة {الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}[الملك:٢].
لكن الود لم يقترن إلا بالرحمة والمغفرة، فإذا ذكر الود فاعلم أن كله رحمة أوله وآخره.
فانظر: ودود (فعول)، كثير الود، والود من المستغني جميل، إذا تودد الضعيف يقال عنه: يتزلف، منافق، له مصلحة، إذا تودد المحتاج لم يكن لِوُدِّه ذلك المعنى الذي يكون للمستغني، ولذلك قال العلماء: الزهد من الأمير حَسَن، رجل فقير وزاهد، أنت تقول: وهل هو لاقٍ شيئاً؟! فبالطبع لابد أن يزهد، ليس عنده شيء؛ لكن إذا رأيت أمير المؤمنين يزهد عَظُم في نظرك الزهد ورأيتَ له طعماً.
والقادر إذا عفا وغفر كان لغفرانه طعم.
فالله عز وجل المستغني العزيز له الأسماء الحسنى والصفات العلا يتودد إليك، وهو لا يحتاجك، فما أجمل هذه الصفة في موضعها! لا سيما إذا سُبِقت بالرحمة وسُبِقت بالمغفرة.
أتفر منه؟! يهون عليك ويقوى قلبك على مشهد العصيان له؟! والله! ما هذا بالنَّصَف، ما هذا بالإنصاف، وهو المتفضل عليك، نعمه عليك من شَعَر رأسك إلى أخمص قدمك.