انظر إلى الترقي في المناظرة، هذا الدرس يحتاج إليه الدعاة إلى الله عز وجل أكثر من غيرهم، انظر إلى يوسف عليه السلام كيف ترقى لم يبدأ مهاجماً؛ لأنه سيقوض دعوته، إنما جعل الهجوم آخر مرحلة، فبدأ يعرف بنفسه، ويعرف بحقيقة الذي يعبده، وأنه ينتمي إلى آباء كرام ورثوا النبوة، ثم طرح سؤالاً لا يخطئ الإجابة فيه من له عقل مستقيم.
فيوسف ترقى بهم شيئاً فشيئاً، كأنما قال لهم: إن الذي يكلمكم ليس بجاهل، إنه ورث النبوة، وهو سليل بيت العلم، يُعرِّف بقدره، وشتان بين الافتخار بمثل هؤلاء الآباء، وبين الافتخار بالآباء الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الافتخار بهم.
فبعدما عرف بنفسه سأل السؤال المنطقي الطبيعي الذي لا يخطئ في الإجابة عليه إنسان له عقل سوي:{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ}[يوسف:٣٩] وتأمل في الخطاب: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ}[يوسف:٣٩] فأنزلهما منزلة الصاحب؛ لأن هذا فيه أنس؛ لأنك إذا خاطبت رجلاً وبينك وبينه حواجز فلا يكاد يعي كلامك.