[حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة]
فـ عائشة رضي الله عنها تقول: فنظرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم هل يكره أن أنتصر.
قالت: فلما علمت أنه لا يكره أن أنتصر قمت لها فأفحمتها.
فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (إنها ابنة أبي بكر) كما نقول في المثل الشعبي: (ابن الوز عوام) أي: لها الحجة القوية مثل أبيها، وحق لها أن تكون مثل أبيها، وهذا يدلك على مدى حب الرسول عليه الصلاة والسلام لها، وأيضاً يدلك على كمال خلق النبي عليه الصلاة والسلام كيف أنه لم يغضب ولم يضرب هذه مرة وهذه مرة.
وحين نتأمل في حال المتزوجين بامرأتين أو بثلاث أو بأربع وحال الرسول صلى الله عليه وسلم، تشعر أن هناك جانباً من جوانب العظمة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته التسع.
يظهر من هذا الحديث كيف كان النبي عليه الصلاة والسلام يحب عائشة رضي الله عنها، ويفعل معها ما لم يفعله مع أي امرأة، فعند أحمد وغيره أن عائشة قالت: (كنا في غزاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال للناس: تقدموا.
فتقدموا، قال: تعالي أسابقك) فهل هناك أحد يعمل مع امرأته ذلك؟ ويقول لها: تعالي أسابقك، أو حتى يلين معها الكلام؟! فكثير من الناس يأنف أنه يعمل ذلك مع زوجته، لكن أنت تخيل فخامة الرسول صلى الله عليه وسلم وشموخه وهو يجري بجانب عائشة رضي الله عنها، الفتاة الصغيرة التي كان سنها لا يتجاوز الثلاث عشرة سنة.
قالت: (فسابقته فسبقته، قالت: فتركني حتى نسيت) -نسيت هذا السباق- وحملت اللحم -أي: صارت بدينة- وكنت معه في غزوة فقال لهم: (تقدموا ثم قال: تعالي أسابقك، قالت: فسابقته فسبقني، فجعل يضحك ويقول: هذه بتلك).
فانظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان يترفق بنسائه! وكان يقول: (رفقاً بالقوارير) أي أن المرأة مثل القارورة ومثل الزجاجة، فتحتاج إلى رقة في المعاملة، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إنهن عوان عندكم) أي: المرأة مأسورة، فأول ما تزوجت دخلت السجن مباشرة، لماذا؟ لأنها لا تستطيع أن تتزوج غيرك إلا إذا طلقتها.
وأيضاً كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يعلمن هذه المكانة لـ عائشة، فمرة حفصة -أو أظن صفية - أغضبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت إلى عائشة وقالت: إني مستعدة أن أهبك ليلتي وترضيه عني.
فكن يعلمن مكانة عائشة رضي الله عنها، فتقول عائشة: فبللت خماري بالماء ففاح عطره، فجلست بجانب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إليك عني يا عائشة، ليس هذا بيومك.
فقالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وظلت تترضاه حتى رضي.
جاء في مسند الإمام أحمد أن بعض التابعين سمع من عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم) فاستغرب الأمر، فذهب إلى أم سلمة يسألها، فقال لها: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك وهو صائم؟ قالت: لا.
قال لها: فإن عائشة تقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم).
فقالت أم سلمة: لعله كان لا يتمالكها حباً، أما إياي فلا.
فهذه حقيقة معروفة من كل من يعرف مكانة عائشة رضي الله عنها، ومنهم عمر الذي يقول لابنته: لا تغضبي النبي صلى الله عليه وسلم وتقلدي عائشة، فلست مثل عائشة، فهو يحتملها ويمكن أن يغفر لها، وليس لك من المكانة ومن الجمال ما لـ عائشة رضي الله عنها.