للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إبراهيم الحربي]

ومن أعلام علو الهمة: أولئك الأفذاذ الذين عاصروا الإمام أحمد والإمام البخاري، وغيرهم من أئمة الإسلام الذين لا تعرفهم الجماهير.

هل أحد منكم سمع بـ إبراهيم الحربي؟ إنه الإمام الكبير العلم، صاحب كتاب: (غريب الحديث)، وأحد تلاميذ الإمام أحمد، وأمتنا تمتاز بكثرة العمالقة! وإذا أردت أن تعد العمالقة الشوامخ في أمتنا تكل من كثرة العد.

إبراهيم الحربي رحمه الله رجل صاحب همة عالية.

قال: (اشتكيت ضرسي عشرين عاماً، فما شعرت بي أمي ولا امرأتي).

مريض مريح، المريض في العادة يكون مزعجاً: تجده يتأوه آه آه آه ويجهد أهله، ولا يكف عن الأنين، يوجع قلب الذين من حوله.

وهناك مريض لطيف خفيف، يمرض ولا يشعر به أحد، ما أخبارك؟ الحمد لله، أنا بخير، ويلهج بذكر الله والثناء على الله عز وجل.

فـ إبراهيم الحربي من هذا النوع، مع أن هناك حديث موضوع، لا أقول عنه حديث، ولكن أقول: إنه كلمة مشهورة وهي حق فعلاً بين الناس: (لا ألم كألم الضرس، ولا وجع كوجع العين) أي إنسان لديه حس حديثي يعرف أن هذا الذي وضعه طبيب، يعني: هذا ليس عليه أنوار النبوة (لا ألم كألم الضرس -انظر إلى هذا الكلام! - ولا وجع كوجع العين) فعلاً: ألم الضرس من أشد الآلام؛ لأن مكانه الرأس، والرأس به السيطرة الكاملة على الجسم، حتى أن الشافعي رحمه الله، لما أراد أن يبين أن وقوف الشريف بباب اللئيم مسألة لا تطاق ولا يقدر عليها؛ جعل يعدد المحالات الممكنة، فذكر منها: وجع الضرس، فقال رحمه الله: لقلعُ ضِرْسٍ وضَرْبُ حبسٍ ونزْعُ نفسٍ ورَدُّ أمسِ كل هذا مستحيل! وقرُّ بردٍّ وقود فرد ودبْغُ جِلدٍ بِغيرِ شَمسِ ونفْخُ نارٍ وحَمْلُ عارٍ وَبيْعُ دارٍ بربعِ فلسِ كل هذا: أهونُ من وقفةٍ لحرٍّ يرجو نوالاً ببابِ نحسِ وقفة الحر على باب اللئيم أعظم من هذا الذي قاله الشافعي رحمه الله.

انظر الهمة العالية في كظم الألم، برغم أنه لو قال: آه، واشتكى ونحو ذلك فهذا مباح، لا شيء فيه، وأن الإنسان إذا عاده عائد فشكا له علته من باب التنفيس، ليس من باب الشكوى، وجاز له ذلك، كما في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: (مرضت بمكة مرضاً أشفيت فيه على الموت -والكلام هذا كان في حجة الوداع- قال: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يعودني.

فقلت: يا رسول الله! إنه قد بلغ بي من الألم ما ترى -يشتكي له ويقول له: انظر ما حصل لي، وما وصلت إليه صحتي من التدهور- وعندي مال وأريد أن أوصي به) فذكر المرض ليس على سبيل التشكي والتسخط على قدر الله تبارك وتعالى جائز، ولكن كظمه من باب الندب.