وهنا لفتة: فلم يقل أحدهم: بابني أنت وأمي، أو بابني وأبي؛ وهذا يدل على أن الأب والأم أغلى من الولد.
ذات مرة أرسلت إلي امرأة رقعة تستحلفني فيها بالله عز وجل أن أجيب بصراحة: هل أمك أغلى أم أولادك؟ ففهمت أن لها أبناء عاقين، وكأنها تستحلفني بالله عز وجل حتى أتكلم وأوصي الأبناء بالأمهات، ومادام أنها قد استحلفتني بالله عز وجل، فوالله الذي لا إله غيره: لزوجتاي وأبنائي في شراك نعل أمي، لا أقول: إن زوجتي وأبنائي يساوون أمي أبداً، بل في شراك نعلها! ولو كان أحد ينوب عن أحد في المرض ويفتدى به لافتديت بكل أولادي لرفع المرض من جسد أمي! لقد كان الصحابة يقولون:(بأبي أنت وأمي) مباشرة! أي: يفدونه بالأغلى الذي لا غالٍ بعده، (بأبي أنت وأمي يا رسول الله!) والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه.
قالوا: خاب وخسر يا رسول الله! -فذكر أصنافاً من الناس ومنهم-: من أدرك أبويه أو أحدهما ولم يغفر له).
وروى البخاري في الأدب المفرد أن ابن عمر رأى رجلاً يحمل أمه في الطواف، وهو يقول: أنا لها بعيرها المذلل إن أذعرت ركابها لم أذعر ثم قال: يا ابن عمر! تراني وفيتها -أي: وفيت أمي جميلها لما حملتها على كتفي، وطفت بها في هذا الزحام الشديد-؟ فقال له عبد الله بن عمر: لا، ولا بزفرة، والزفرة: هي وجع المرأة في الولادة، أي: هذا الذي فعلته لا يساوي زفرة من زفرات الأم في حال الوضع.