[خروج الصحابة في غزوة تبوك]
إن ربنا سبحانه وتعالى عاتب الصحابة، فقال: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [التوبة:٤٠]، هذه الآيات في سورة التوبة نزلت في غزوة تبوك، وبين الهجرة وبين غزوة تبوك ثمان سنين، فقد: تأجل هذا العتاب ثمان سنوات: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:٤٠].
لأن غزوة تبوك كانت من أشق الغزوات على الصحابة، وقد سمي جيشها بجيش العسرة جاء في قلة مال، وفي حر شديد، وسفر بعيد طويل.
فقلة المال لأن الثمار بقي لها شهر وتقطف وتباع في الأسواق، ويحصل رواج تجاري، فلم يكن يوجد سلعة ولا فاكهة تباع أو تشترى، الأموال مجمدة، فقام عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال: هذه ألف بعيرٍ بأحلاسها وأقتابها، ثم ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى البذل والفداء والتضحية، فقام عثمان مرةً ثانية، فقال: هذه ألف بعيرٍ بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس، فقام عثمان مرةً ثالثة وقال: هذه ألف بعيرٍ بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر وهو يضرب فخذه بيده ويقول: (ما على عثمان ما فعل بعد اليوم)، لقد جهز جيش العسرة من ماله.
فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
فقطعوا رضوان الله عليهم في شدة الحر مسافة طويلة جداً في واحد وعشرين يوماً سيراً على الأقدام، وتركوا زروعهم ولم يبق على قطافها إلا شهر أو أقل، وكانوا ينتظرون الحصاد ليروج.
فهذه الأشياء مجتمعة أظهرت المنافقين في المجتمع المدني، وجاءوا يقولون: {لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ} [التوبة:٨١]، واغتر بعض المؤمنين الصادقين فتخلفوا بسبب هذه الظروف الشديدة.
أمثال: كعب بن مالك، وهلال بن أمية الواقفي، ومرارة بن الربيع، وانكشف من المنافقين بضعة وثمانون منافقاً، وقالوا: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} [الأحزاب:١٣]،: {وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ} [التوبة:٨١].
وفي هذه الظروف عاتب ربنا سبحانه وتعالى الصحابة لماذا لم تخرجوا؟ إلا تنصروه الآن فهو مستغنٍ عنكم، ليس بحاجةٍ إليكم، فينصره الذي نصره لما كان ثاني اثنين إذ هما في الغار، بغير كسب أحد منكم، وبغير تأييد أحد منكم: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:٤٠]، وقال لهم يهددهم: {إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا} [التوبة:٣٩].
انظر إلى هذا التهديد! إن لم تنفر يعذبك عذاباً أليماً، ويخسف بك، ويأتي بقومٍ يحبهم ويحبونه.
إن الرجل في الصعيد إذا قتل له قتيل يلبس طرحة، ويقول بلسان حاله ومقاله: هو امرأة حتى يأخذ بالثأر! امرؤ القيس الشاعر الجاهلي المشهور، كانت حياته كلها خمر وعربدة، فأفاق يوماً من شرب الخمر وقد قتل أبوه، فقال: لا بد أن نطلب الملك، وخرج هو وصاحب اللهو إلى بلاد الروم فلما تجاوزا الحدود، بكى صاحبه لما نأت به دياره فقال: يصبره: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصرا فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا إذا متنا في طلب الملك فسوف يعذرنا الناس، لكن هناك شخص تدنت همته فأخذ هذه الأبيات وعمل لها تشطيراً، على نفس البحر والقافية، ولكن للناس فيما يعشقون مذاهب، ذهب هو وصاحب له ليتغدون عند صاحب لهم، وكانوا يظنون أنهم سيأكلون لحماً، ففوجئوا، فأول ما رأوا المائدة المستديرة طاشت أحلامهم، ورأوا الخطب الفاجع.
فأنشد يقول: أتانا غنيم بالفطير وأحضر وكنا حسبناه دجاجاً محمرا بكى صاحبي لما رأى اللفت دونه وأيقن أن الجوع كان مقدرا فقلت له لا تبكِ عينك إنما سنأكل لفتاً أو نموت فنحضرا فكل واحد له مذهب في الدنيا هذا رجل يسعى إلى ملك، وهذا رجل يسعى على ملء بطنه.
لقد قال امرؤ القيس نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا فالناس سيعذرونه إن مات وهو يطلب الملك.
ولو نحن لو متنا وتركنا هؤلاء يعربدون ويسبون الرسول عليه الصلاة والسلام، ماذا سيقول الجيل الذي يأتي بعد ذلك؟ ويتهموننا بخيانة الأمانة، ولذلك هذه مسألة خطيرة.
فلابد لكل مسلم أن يكون له انتماء، ومن حسنات هذه المصيبة الفادحة أنها ألهبت شعور العوام، كان هناك أناس غارقون في هم الدنيا؛ فصار الإسلام قضية بالنسبة لهم! ولم يكونوا ليتحركوا أبداً مهما قلنا لهم، ومهما فعلنا معهم.
يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرم نوموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوم فهذه القضية تلهب الشعور، فالإسلام يجب أن يكون قضية، ولا بد أن نتكلم عن الإسلام كل يوم في البيت، لابد أن يكون هناك جزء من الوقت بين الرجل وامرأته يتكلمون فيه عن الإسلام وقضاياه.
فعندما تفكر في مستقبل الولد ماذا سيفعل الولد؛ فكر في حال الأمة إن أمتنا تعاني، تعاني بعد سبعين سنة من الإهمال، ولذلك نحن نقول: المسألة مسألة وقت.
فسب النبي صلى الله عليه وسلم ورسمه على هذه الصورة لا يمكن أن يمر هكذا دون أن نفعل شيئاً، ونحن نناشد القيادات السياسية ونقول: نحن متأكدون أننا لو دخلنا في حرب فسننتصر، إن الله معنا، مهما كان معهم من الرؤوس النووية، لكن ادخلوا الحرب بالانتماء إلى الإسلام تغلبوا وتنتصروا.
لقد مُرغت أنوفنا في التراب رغماً عنا خمسة عشر مليوناً يفعلون بألف مليون منتسب إلى الإسلام على عجره وبجره كل هذه الأفاعيل! ألا نستلهم القوة والانتماء من تصرف الجيل الأول؟ وكيف أنهم عزوا وسادوا؛ بحبهم للنبي عليه الصلاة والسلام، وكانوا يفدونه بالآباء والأمهات.