اعلم أنه لما قتل موسى عليه السلام الرجل القبطي وصفه ربنا تبارك وتعالى فقال:{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}[القصص:١٨].
قلت قبل ذلك مجمَلاً: إن موسى عليه السلام هو أكثر الأنبياء ترَدَّد على لسانه ذِكرُ الخوف، ولقد استمر هذا الخوف معه في مراحل حياته، فتأمل: - لما قَتَل: أصبح خائفاً يترقب.
- ومضى خائفاً طيلة الطريق إلى أن ورد مدين، فلما نزل على العبد الصالح وقص عليه القصص قال له:{لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[القصص:٢٥].
- فلما قضى الحجج التي هي أبعد الأجلين ورجع، فبينما هو راجع مع امرأته إذ رأى ناراً، فذهب ليقبس من النار شعلةً يستدفئ بها، حينئذٍ ناداه ربه تبارك وتعالى وقال له:{وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}[النمل:١٠]، {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ}[القصص:٣١].
فباشر الخوف أيضاً.
- ولما أمره ربه تبارك وتعالى أن يذهب إلى فرعون وأمره هو وأخاه، وإنما طلب موسى النصرة من الله بأخيه فقال:{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}[القصص:٣٤].
- فأمره الله عز وجل وأخاه أن يذهبا إلى فرعون:{فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}[طه:٤٤ - ٤٦].
- ولما جاء إلى فرعون وحصلت بينهم مناظرة وجاء وقت المعجزة، وألقي السحرة حبالهم وعصيهم، فلما رأى موسى من شدة سحرهم أن الحبال تسعى قال عز وجل يصف حال موسى عليه السلام:{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى}[طه:٦٧ - ٦٨].