[حال الأمراء إذا تركوا العلماء]
من علامات الشؤم: أن يُعظم أهل الدنيا ولا يلتفت إلى أهل الآخرة، ولا عيش إلا عيش الآخرة، وهناك كتاب اسمه بروتوكولات حكماء صهيون، وهذا الكتاب فيه ذكر ما يحدث في بلاد المسلمين؛ ومن العجيب أن أعداءنا كتبوا خططهم، وأظهروها للناس.
حسناً! لماذا لا تخبئوها؟ قالوا: أصلاً هم أغبياء.
ماذا يعني عندما تكتب خطتك أمام شخص غبي؟ كأنك لم تكشفها.
هذا يذكرني بالعتابي، كان في بادية الشام يقص على الناس الحكايات، هل سمعتم بالموالد التي يقعدون فيها يخترعون الحكايات، مثل: ميمونة والجمل وغيرها، فالعتابي كان أحد هؤلاء.
المهم أن العتابي كان قاعداً على الطريق يأكل، فقال له أحد الأشخاص: يا أخي! الأكل عورة.
مع أنه ليس بعورة أبداً، لأن هذا ليس له أصل في السنة.
فقال له: يا أخي! الناس يمشون وينظرون إليك وأنت تأكل! قال: أرأيت إن كان في بيتك بقر، وكنت تأكل أمامها أكنت تستحي أن تأكل أمامها؟ قال له: لا.
قال: فاصبر حتى أريك أنهم بقر.
يقول له: الناس الذين تراهم الآن حولي أعطني مهلة واحلم عليّ لكي أثبت لك أنهم بهائم.
وبعد أن انتهى من الأكل قام في الجامع يقص حكايات بين قيس وليلى إلخ، والناس مندهشون، وبعد ذلك قام يرمي رميته في نص الكلام والمستمعون مشدوهون، قال: حدثني فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من مس لسانه أرنبة أنفه دخل الجنة!! فما بقي منهم رجل إلا أخرج لسانه يريد أن يمس أرنبة أنفه.
فأحدهم قال له: من أين أتيت بهذا الحديث؟ هل كان لسانه مثبت من الأمام أم مثبت من الخلف؟ فقال: أو لم أعلمك أنهم بقر! فالعلم -وهو القاضي على كل هذه المهالك- به تنال الرفعة، وكل شيء مرده إليه فالعلم هو الحكم، ومن شرفه أن يكون الخصم هو الحكم، هذه أول مرة نرى الخصم حكماً؛ لأن كل شيء في الدنيا فيه نزاع لا بد أن يقضي فيه العلم، فرجع إلى العلم في النهاية؛ فهو أشرف خصم وأشرف حكم.
إذاً: بدءاً من الإمامة الكبرى، التي فيها صلاح الناس، والعلماء يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالإمام العادل؛ لأن خيره متعدٍ وشره متعدٍ، فلو كان ظالماً فسيتضرر بظلمه الملايين، ولو كان عادلاً سيستفيد بعدله الملايين، ولا غرو أن قال الإمام أحمد: (لو كانت لي دعوةٌ مستجابة لادخرتها للحاكم؛ لأن به صلاح الدنيا).
فبدءاً من الخلافة الكبرى العظيمة التي هي أعلى شيء في الدنيا وهي الإمامة، إلى أدنى شيء في الدنيا يحتاج إلى العلم، وجماعة بروتوكولات حكماء صهيون قالوا: نحن الذين سنختار القادة، ونحن الذين سنختار أصحاب المواقع الحساسة.
فكيف سيختارونه؟ يأتون بواحد من بلاد المسلمين ليدرس عندهم، وينظرون في مواهبه هل هو: إنسان عميل، دنيء الهمة، يمكن أن يتجسس على قومه ويبيع البلاد كلها في مقابل حفنة دراهم.
ولا مانع من أن يعطوه الدكتوراه الفخرية، وهبة النيل، وهبة الكونجرس، وهبة كل شيء، ويحتفل به في المجتمع الأمريكي على أساس أنه نجم المجتمع، ويقابله الرئيس الأمريكي، ورئيس الكونجرس، ورئيس الوزراء، ويعملون له مأدبة احتفال في أستراليا، ولندن، وباريس.
فأنت تقول: هذا ابن بلدي ويعملون له كل هذا! تعال! نحن محتاجون إليك.
وبالتالي يقولون له: هذا الرجل ينفع أن يكون في المكان الفلاني، هذا ينفع -مثلاً- أن يكون وزير التربية والتعليم، نحن لا نعلم كيف يكون هذا الرجل العبقري لديكم وأنتم لا تعيروه أي اهتمام! ولو كان عندنا لجعلناه وزيراً للتربية والتعليم فيستدرجونه كما استدرجوا صدام حسين في حرب الخليج، قبل أن يدخل الكويت، قالت له أمريكا: نحن ليس لدينا أية خطة دفاع مشتركة مع الكويت ما معنى هذا الكلام؟ ولماذا قالت له هذا الكلام؟ يعني: ادخل الكويت ونحن لن نكون ضدك؛ لأنه ليس بيننا وبينهم خطة دفاع مشترك.
فدخل الكويت، وظهر الرئيس الأمريكي بوش وقال: أنا أناشد الرئيس العراقي ألا يفضحنا؛ لأنه يعلم أن جيشه خطير! فله ثماني سنوات وهو يحارب إيران، وهو جيش عملي، والجنود لا يزال عظمهم ناشف، فليس من الضروري أن نبيد الكرة الأرضية، لأن جيشه عتيق وعريق وإلخ، وأنا بصراحة لن أقول لكم ولا أخفيكم: أنا جعلت ثمانية عشر ألف كفن مبدئي، والحانوتي سيأتي بالباقي من أجل الذين سيموتون من الأمريكان وقوات التحالف في حرب الخليج، فأنا أقول للرئيس العراقي: اعمل معروفاً، ولا تحارب؛ لأننا لسنا نداً لك.
فكبرت في دماغه، وقال: إذا كانت أمريكا تقول لي: اعمل معروفاً، فما الذي يجعلني أعمل معروفاً إذاً؟ فلماذا لا أستغل ضعفهم وأقوم وأدخل فجأة -مثلما دخل إيران- وهي مجرد طلقة هنا وطلقة هناك إلخ.
فهم يحاولون أن يهدئوه فلم يستطيعوا أن يعملوا شيئاً، فدخل إلى أم الهزائم، وأخذ (علقة ساخنة -مثلما يقولون- حمار في مطلع).
فهؤلاء يريدون أن يعينوا أي شخص عميل في بلاد المسلمين بأن يأخذوه ويلمعوه ويكبروه، ويعلموا فيه تقارير، وبصراحة نحن لنا الفخر أن الرجل هذا جاء إلينا، وهكذا! فتكبر في دماغنا ونقول: هذا الرجل هو الذي ينفع، وهو الذي سيصلح المسألة ويعدل الميل، تعال إذاً اجلس وإذا به يزيل الآيات من القرآن التي تسب اليهود، ويزيل الآيات التي تكفر النصارى؛ ويقول: إن هذا ضد الوحدة الوطنية، وعيب عليك أن تقرأ: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:٧٣]، بل اجعلها في قلبك، لأن هذا لا ينفع إلخ.
ويبدأ القرآن يتقلص، وبعد هذا نبدأ نقول: الحجاب إرهاب! واللحية إرهاب إلخ! وأن الدين سماحة ويسر وأخلاق، وبعد ذلك نقول: إن منع الاختلاط عبارة عن إرهاب وكبت، وإلا فالمفروض أن يبقى الرجال مع النساء، ويأتي لك بكتب الدين: (علي عيان، قام إبراهيم وأخذ أباه وأمه وراحوا يزورون علي، فقام أبو إبراهيم يقابل أم علي على الباب إلخ).
الله وهل هذا كتاب الدين؟! فكيف بكتاب الفنون؟ وكتاب التربية الموسيقية والرسم؟ فإذا كان في كتاب الدين (أبو إبراهيم يقابل أم علي! ويجلسون كلهم على طاولة واحدة: وألف سلامٍ على إبراهيم، وإلخ).
دع كتاب الدين هذا والكلام الذي فيه، فهذا يجعل الأجيال تُمسخ، وينتج لنا جيلاً ممسوخاً ليس له هوية، مثل الجيل الذي نعاني منه الآن، جيل ليس له أي مواهب، وهذا الكلام في الجملة، وإلا هناك مواهب، لكنها ليست كثيرة.
فهذا من علامة عدم التوجيه: وأهل الآخرة يظل أكثرهم لا يرفع لهم رأساً، مع أن صلاح الدنيا بصلاح ورفعة العلماء الربانيين، وصلاح الدنيا لا يكون إلا بالدين، أن تكون على وفاق ما يريد الله عز وجل، فالعلم تحتاجه في أعلى شيء وفي أدنى شيء، فلا تستغني عنه على الإطلاق، وتفتقر إليه في كل خطوة تخطوها في حياتك، هذا هو العلم الذي بدأ الله عز وجل بذكره في قصة داود وسليمان، وفضائل العلم أكثر من أن يحصرها مجلساً أو اثنان أو ثلاثة، إنما السعيد من انتفع بالقليل، والمكابر لا ينتفع لا بقليل ولا بكثير.
نحن نرجو أن يكون فيما ذكرته دافعاً ورفعاً للهمم، لترجع وتطلب العلم مرة أخرى، فمهما ازددت منه فإنه لن يضرك، وكل شيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده إلا العلم، فكلما ازددت منه زادك رفعةً.