كان الصحابة كتلة واحدة؛ لأنهم تعلموا الإيمان والقرآن جميعاً، وما كانوا يتجاوزون آية من آيات القرآن إلا ويعملون بها، ويقول بعض العلماء: لعل هذا هو السبب الذي جعلهم لا يحفظون القرآن كله، الذين يحفظون القرآن الآن ليسوا أذكى منهم ولا أحفظ، والعرب الأوائل اشتهروا بالحفظ، كانوا يحفظون المعلقات، ويحفظون الأمثال، هكذا كان الحفظ! أيعجزون أن يحفظوا آي الذكر، ويحفظوا أقوالاً مركبة معقدة كالصخر؟! أفلا يحفظون آيات الذكر الحكيم التي يحفظها الطفل الصغير؟! {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:١٧].
أنا أعرف رجالاً عاشوا وهم يحفظون القرآن، وماتوا وهم لا يعرفون تفسير المعوذتين! {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}[الفلق:٣] الواحد منهم لا يعرف ما هو الغاسق، ولا يعرف ما معنى وقب، وكذلك الطفل الصغير لا يعرف لكنه يحفظ، فهذه بركة في القرآن الكريم أن يحفظه الكل، أفيعجز أولئك الصحابة الذين كانوا يحفظون الأقوال الجامدة من أن يحفظوا القرآن الكريم؟! لا يعجزون، إذاً لماذا مات أغلبهم ولم يحفظوا القرآن الكريم كله؟ لأنهم لم يكونوا يتجاوزون الآية ولا الآيتين ولا الثلاث إلا بعد أن يعملوا بها.
وهذا -كما قلت:- أحد الفروق التي تميز أولئك الصحابة العظام وبين جيلنا الآن.