وقد يحمل هذا الخوفُ المرءَ على أن يتصرف بعنف، كما حدث لموسى عليه السلام أيضاً كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (بينما موسى عليه السلام جالسٌ في داره إذ قال له ملك الموت: أجب ربك، ففقأ عينه، فصعد ملك الموت إلى الله، وقال: يا رب: إنك أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموت، فرد الله عليه بصره؛ ثم قال له: اذهب إلى عبدي فقل له: ضع يدك على متن ثورٍ فلك بكل شعرةٍ مستها يداك سنة، فقال موسى: أي رب ثم ماذا؟ قال: الموت.
قال: فالآن).
فموسى عليه السلام في دارهِ الباب مغلق والنافذة مغلقة، فجأة وجد رجلاً في البيت، من أين دخل هذا الرجل، وهذا الرجل دخل صائلاً، والصائل هو الذي يهجم على الناس في البيوت أو يهجم على الناس عموماً، فموسى وجد رجلاً يصول عليه، ويقول له: أجب ربك، أجب ربك، معناها: سلم روحك: يعني يريد أن يقتله: فما كان من موسى عليه السلام إلا أن دفع هذا الصائل، ودفع الصائل مشروع حتى لو أدى الأمر إلى قتل الصائل، فهو جائز لقوله عليه الصلاة والسلام:(من قتل دون أهله وماله فهو شهيد).
فما كان من موسى عليه السلام إلا أن فقأ عينه، وهذا حد الذي ينظر في بيوت الناس بغير إذن فضلاً عن أن يدخل بقدميه، للحديث الذي رواه الشيخان:(أن النبي صلى عليه وسلم رأى رجلاً ينظر إليه وهو في بعض حجر نسائه وبيده مشقص -المقص أو آلة حادة-، فقال عليه الصلاة والسلام: لو أدركتك لطعنتُ بها في عينيك ولا دية لك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) فإذا دخل البصر فلا إذن، إذا جاء رجل ونظر إليك من النافذة وبعد ذ لك طرق النافذة ما معنى هذا الكلام؟! إنما جعل الاستئذان من أجل البصر، فموسى عليه السلام فعل مع هذا الرجل الحد الشرعي أنه فقأ عينه.
وكان ملك الموت عليه السلام نزل بصورةٍ لم يعهدها موسى قبل ذلك ولم يعرفها، لذلك فقأ عينه، فلما رد الله بصره إليه، ونزل إلى موسى في الصورة التي يعرفها موسى لم يفقأ عينه هذه المرة، ولكن قال:(ربّ، ثم ماذا؟ قال: الموت.
قال: فالآن).
فشيء طبيعي أن يفزع داود عليه السلام لما تسور عليه رجلان المحراب فزع منهما، قالا: لا تخف، فهذا خوفٌ جِبِلي لا إشكال فيه، وهكذا.
إنما قلت هذا وأطلت فيه قليلاً لأن من الناس من ظن أن مطلق الخوف يقدح في التوحيد، واحتج بآيات منها قوله تعالى:{فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:١٧٥]، قال: فالخوف من غير الله يقدح في التوحيد، فنقول: هذا الإطلاق خطأ، بل الخوف الجبلي الذي يلازم المرء، كالخوف من المرض، والخوف من القتل، والخوف من الأذى، والخوف من الحاكم الظالم فهذا شيء جبلي لا يؤاخذ المرء به، لا سيما إذا كان هذا الذي يخاف منه هو في العادة قبيح، فخاف المرء أن يلابسه فهذا أيضاً لا شيء فيه.