للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا واسطة بين الله وبين خلقه]

لقد ألغى الله عز وجل الواسطة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:١٨٦]، لاحتمال أن يكون الواسطة لئيماً، فمثلاً ولله المثل الأعلى: لو كان هناك رجل وزير أو محافظ أو مدير، وأنت تريد الدخول إليه، فلن تستطيع الوصول إليه إلا عن طريق السكرتير أو مدير المكتب، فلو كان هذا الرجل الواسطة لئيماً أو مرتشياً وقال لك: لن أوصلك إلى الوزير إلا إذا دفعت كذا وكذا، أو عملت لي كذا وكذا، وأنت في حاجة ماسة لمقابلة الوزير، وتريد أن تقابله بأي ثمن، فسوف تدفع ما أراده منك ذلك الواسطة؛ بل سوف تتذلل له وتقبل يده إلخ، فلو كان هناك واسطة بين الله وبين خلقه؛ لذهب ما لله للواسطة؛ من التضرع والابتهال، والترجي الذي أترجاه من أجل أن يوصلني، فالرغبة والرهبة لا تكون إلا لله.

فلئلا يُصرف هذا الأمر للواسطة ألغاها الله عز وجل؛ لتجريد التوحيد والحفاظ على جنابه.

إذاً: الالتفات إلى الأسباب قدح في التوحيد؛ ولذلك ألغيت الواسطة حتى لا يلتفت إليها.

وترك الأسباب بالكلية قدح في الشرع؛ لأن الله عز وجل قال: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:٣٢]، والباء هنا باء السببية، وليست هي الباء التي في قوله صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد الجنة بعمله)، فإن الباء في (بعمله) غير الباء في: {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، فالباء في قوله عز وجل: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:٣٢] باء السببية، أي: ادخلوا الجنة بسبب ما كنتم تعملون، والباء في قوله صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد الجنة بعمله)، هي باء العوض والمقابلة، أي: لن يدخل أحد الجنة لأنه عمل عمل أهل الجنة، وكان عمله كفؤاً وعوضاً لدخول الجنة، استحق دخول الجنة بالعمل.

إذاً: الباب باء العوض في الحديث، وليس لأحد أن يؤدي شكر نعم الله عز وجل عليه أبداً لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال هذا الحديث، قالوا: (ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته).

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.