[من مظاهر كفر العبد لنعم الله]
ما هو وجه الكفران الذي عناه الله عز وجل؟ وجه الكفران ورد في الحديث القدسي الصحيح الذي رواه الشيخان أن الله عز وجل قال: (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فهذا كافر بي مؤمن بالكواكب).
أنزل الله عز وجل الماء، لكنهم يقولون لك: الرياح الشمالية العكسية الغربية هي التي دفعت الماء، ثم أبرق السحاب وأرعد ونزل الماء.
من الذي فعل كل ذلك؟ لا يذكرونه في كلامهم، لا يذكرونه في حديثهم، لا يقولون: أرسل الله الرياح وأرسل المطر وأرسل البرق، لا يقولون ذلك، إنما مطرنا بالرياح الشمالية الغربية العكسية، لا يذكرون الله، لماذا لا يذكرون الله وهو الذي فعل كل ذلك؟! (أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله؛ فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب)، سنة من السنوات كتب عنوان في الجريدة الرسمية: "بحيرة ناصر أنقذتنا من الجفاف" عنوان! " {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:٣٠] لو أن الله استرد هذا الماء، من الذي يرد الماء إليكم؟! لماذا لا تنسبون الفضل إليه تبارك وتعالى؟! هذا مظهر من مظاهر الجحود والكفران: أن تنسب الخير إلى غيره {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} [الفرقان:٥٠]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما عام بأكثر مطراً من عام)، كمية الماء التي قدرها الله عز وجل وتكفي العباد مقدرة، وتنزل كل سنة.
لكن أين يذهب الماء عندما يصاب العباد بجفاف؟! قال صلى الله عليه وسلم: (ما عام بأكثر مطراً من عام، ولكن إذا عمل العباد بالمعاصي صرفه الله في البحر)، فكمية المطر هي هي، لكن لا تنزل عليهم، إنما تمطر على البحار، والعباد في أمس الحاجة إلى قطرة ماء: {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف:١٣٠].
{فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام:٤٣] لولا إذ رأوا بأسنا استكانوا ورجعوا وأخبتوا واعترفوا بذنبهم! فإن الله عز وجل يحب العبد المعترف بذنبه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: أذنب عبدي ذنباً فقال: يا رب! إني أذنبت ذنباً فاغفر لي، فقال الله عز وجل: علم عبدي أن له رباً يأخذ بالذنب ويعاقب به، غفرت لعبدي.
ثم أذنب عبدي ذنباً فقال: رب! إني أذنبت ذنباً فاغفر لي.
فقال الله عز وجل: علم عبدي أن له رباً يأخذ بالذنب ويعاقب به، غفرت لعبدي.
ثم أذنب عبدي ذنباً فقال: رب! إني أذنبت ذنباً فاغفر لي.
فقال الله عز وجل: علم عبدي أن له رباً يأخذ بالذنب ويعاقب به، غفرت لعبدي فليفعل عبدي ما شاء).
فليفعل ما شاء ليس معناها: أن يرتكب المعاصي كما يشاء، لكن معناها: إذا عصيت الله فمتى رجعت تلقاك، لكن بشرط أن تلقاه لا تشرك به شيئاً، هذا هو الشرط الوحيد.
قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، غفرت لك ما كان منك ولا أبالي).
لذلك أخطر سيئة هي الشرك، فهي سيئة تأكل كل الحسنات، ولا تبقي منها حسنة، رغم أن الله عز وجل قال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤] لكن هناك سيئة واحدة لا تبقي حسنة وهي الشرك، الذي لا يقبل الله عز وجل من صاحبه صرفاً ولا عدلاً.
فيرسل الماء الذي به قوام حياة كل حي على وجه الأرض، ومع ذلك لا ينسبون هذا الخير إليه: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا * وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} [الفرقان:٥٠ - ٥٢]، جاهدهم به: أي بالقرآن.